غزو... فتح... احتلال!!

حسين الوادعي
الاثنين ، ١١ ابريل ٢٠٢٢ الساعة ٠١:٥١ صباحاً
مشاركة |

ابن خلدون أول من وجه نقدا علميا تاريخيا لما يدعى “الفتوحات الإسلامية” وأثرها على الشعوب الأخرى. 

فماذا قال؟

قال إن الاوطان التي فتحها العرب أسرع اليها الخراب.  

والذي تعود على الصرامة العلمية لابن خلدون يعرف هنا انه كان يفصل بين توجهه الديني الذي يرى في الفتوحات وسيلة لنشر الاسلام، وبين تقييمه العلمي الذي لا يكتب إلا ما أثبته الواقع.

كيف يفسر ابن خلدون هذا الخراب الواسع نتيجة الفتوحات. يقول في مقدمته الفصل 26: 

”والسبب في ذلك أنهم أمّة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقا وجبلة، وكان عندهم ملذوذ لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد لسياسة وهذه الطبيعة منافية للعمران .... أيضا طبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس، وان رزقهم في ظلال رماحهم وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه”.

هذه الفقرة تقدم نقدا علميا لمسألة الفتوحات (الجهاد) بعيدا عن التبرير الديني الشائع وأقرب إلى إلى النظرة الاجتماعية التي ترى في القتال والغنيمة (الجهاد) أعمالا منافية لطبائع الحضارة، وسببا في ”خراب العمران”.

النقد الثاني الذي وجهه بن خلدون لحَمَلة الفتوحات (العرب) انهم حتى عندما سيطروا على البلدان المفتوحة ظلوا ”أبعد الأمم عن سياسة الملك” و ”أبعد الناس عن الصنائع” ومن كان يقوم بالتعمير والصناعات والعلم  أغلبهم إن لم يكن كلهم من العجم.

 أما العرب الفاتحين فاكتفوا بالحكم وتسخير الآخرين لخدمتهم واستيراد الصناعات المطلوبة من الهند والصين (ما أشبه الليلة بالبارحة!)

يلاحظ ابن خلدون أيضا أن “حَمَلة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم” فأغلب أئمة المذاهب لم يكونوا من العرب وكذلك الأطباء والفلاسفة وحتى واضعي أسس علم الحديث واللغة والنحو كانوا من ”الأعاجم”! 

تظهر الفتوحات في تاريخ بن خلدون بوجهها البشري، ومن المهم جدا الإستفادة من طروحات بن خلدون لتكوين رؤية نقدية علمية لتاريخنا بشكل عام، ولتجربة الفتوحات بشكل خاص.

 فقد انتقدت كل الأمم تاريخها الاستعماري وادانته ما عدا نحن الذين لا نزال ندرس اعمال الغزو والسلب والنهب لأطفالنا منذ الصفوف الأولى، ولا نزال ننتج مسلسلات تفتخر بفتوحات الأندلس وافريقيا والهند، وتفتخر بأمراء الحروب وبطولاتهم!

******

يدور جدل خفيف لطيف في دول المغرب حول مسلسل “فتح الأندلس” وخاصة حول هوية بطل الغزو ”طارق بن زياد” وهل هو عربي أم أمازيغي!

وكنت أظننا وصلنا إلى وعي كاف ليدور الجدل حول فكرة الغزو نفسها، ومراجعة مروياتنا عن الماضي الاستعماري (العربي-الإسلامي) خاصة وأن أغلب أمم الأرض ذات الماضي الاستعماري قد نقدته وأدانته.

وشعوب المغرب نفسها التي تتفاخر بأمازيغية بن زياد كانت ضحية لفتح آخر تم على نفس أسس ومبررات غزو الأندلس.

لا يعني هذا أنني أرفض انتاج مسلسلات عن التاريخ الحربي العربي، لكن على الأقل يجب ان تقدم المسلسلات الصورة الحقيقية للغزو ودوافعه المادية وأطماعه بدلا من الصورة الملائكية الزائفة حول أمراء الحرب الطيبين الذين يغزون وينهبون لنشر دين الله.

وعندما تكون مشكلتك مع هوية الغازي لا مع فكرة الغزو نفسها فهذه هي الأزمة الحقيقية.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!