كيف تدهور “وعي التخلف” عند العرب؟

حسين الوادعي
الأحد ، ٠٨ أغسطس ٢٠٢١ الساعة ٠١:١٩ صباحاً
مشاركة |

عندما ألّف رفاعه الطهطاوي كتابه “تخليص الابريز” قبل 180 عاما كانت الصورة عنده واضحه. 

هناك بلدان متخلفة هي البلدان المسلمة تقابلها بلاد متحضرة هي بلاد الفرنجه. وسبيل الخروج من التخلف هو الاستفادة من علوم وصنائع وقوانين وعوائد تلك البلدان.

تبعه في ذلك الشيخ محمد عبده وشكيب ارسلان الذي ألف كتاب “لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم“ قبل حوالي قرن من الزمان. 

وكانت الصورة عنده واضحة. فالعرب والمسلمون لن يتقدموا إلا بما تقدم غيرهم: العلم والصناعة والحرية والمساواة... إلى آخر القيم الغربية الحديثة.

لكن شيئا غريبا بدأ يحدث منذ عشرينات القرن العشرين.

لم يعد المتخلف يرى نفسه متخلفا!!

ولم يعد الغرب ونظمه ونهضته مثار إعجابه.

ظهرت نغمة جديدة تقول اننا لسنا متخلفين وإنما “مختلفين“.

واننا لا نحتاج الحرية والديمقراطية والعقلانية والمساواة وتحرير النساء وكل القيم الغربية الحديثة.

إن تخلفنا هو تقدم من نوع مختلف!!

فالاستبداد ليس عيبا وإنما وسيلة أخرى للحكم. وتهميش المرأة ليس تخلفا وإنما تكريم لها وحماية.  وتحقير  العقل ليس خطئا وإنما حماية للبشر من الهوى والضلال.

كانت شعارات “البديل الاشتراكي“ قد اربكت مفاهيم التقدم والتخلف مندفعة بحماس رفض الحضارة الرأسمالية والمركزية الأوروبية. الخطاب الذي ظل يردد أنه “لا فرق“ بيننا وبينهم وإنما هي وجهات نظر مختلفة حول ما هو التقدم والتأخر.

لكن ما أن حلت سبعينات القرن العشرين حتى أصبح خطاب تقديس التخلف أسوأ مع صعود البديل الإسلاموي.

فنحن لم نعد متخلفين ولم نعد حتى متساويين مع الغرب، بل الغرب نفسه هو المتخلف المفكك المادي الملحد الإباحي. 

اما نحن فمتقدمون أخلاقيا واجتماعيا. وسبب احساسنا بدونيتنا هو الانهزام أمام الثقافة الغربية. 

صار المتخلف يرى نفسه متقدما، ويرى تخلفه حضارة، وخرافاته حكمة، وفشله قناعة، وكبته فضيلة، وغباءه علما!

ولم يعد المتخلف مهموما بسؤال النهضة “لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا“، بل صار منشغلا بإقناع المتقدمين انهم ضائعين متخلفين، وأن مفتاح حلول “مشكلاتهم“ عنده هو  المتخلف الجائع الأمي المقهور الخائف المليء بالأمراض المزمنة والمسكون بهاجس العظمة الزائفة.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!