بين العدالة والقانون... مرة أخرى!

حسين الوادعي
الاربعاء ، ١٦ يونيو ٢٠٢١ الساعة ١٠:٥٩ مساءً
مشاركة |

يقول القاضي في المسرحية الفريد فرج “رسائل قاضي اشبيلية”:

“القاضي -أبقاك الله- لا يشتغل بإقامة العدل بين الناس ولا هذه وظيفته، كما يذهب بك الوهم عادة. إنما وظيفة القاضي الحكم بين الناس بالقانون. والقانون قد لا ينطبق على العدل، والعدل قد لا يطابق القانون”!

هل استغربت كما استغربت أنا بهذه التفرقة بين العدل والقانون؟ لطالما وحدنا بينهما، واعتبرناهما كتلة واحدة أو ذرة واحدة لا تنشطر، فإذا انشطرت هزت المجتمع انفجارات مهولة من الظلم والطغيان والفوضى.

لكن ما أبسطها من حقيقة. فالقانون لا يحقق العدل بالضرورة. فكم من قوانين صاغها الطغاة لتزيدهم طغيانًا، وكم من تشريعات أصدرها الظالمون لتزيد من قدرتهم على ظلم المظلوم.

أرأيت لو أن مدرسًا من جملة آلاف المدرسين، الذين انقطعت رواتبهم منذ ثلاث سنوات، سرق رغيف خبز لإطعام عائلته، ثم تم القبض عليه وعرضت قضيته أمام القاضي. فهل سيحكم عليه القاضي بالعدل أم بالقانون؟

إن القاضي مجبر أن يحكم بالقانون، والقانون صريح في عقوبة السرقة وشروطها. وقد يكون القاضي رحيمًا فيطبق "روح القانون"، بدلًا من نصه ويخفف العقوبة إلى النصف أو الربع، إلا أنه في الأخير سيحكم بالقانون، لكنه لن يحقق العدل ولن ينصف المدرس المظلوم. ولو أراد القاضي الإنصاف لكان عليه استدعاء السلطات الحاكمة التي توقفت عن دفع مرتبات الموظفين لأكثر من أربع سنوات، وتنعمت بأموال الجبايات والمساعدات حتى انتفخت بطونها.

إن القانون هو محصلة التوازن بين القوة والمصلحة، قوة السلطة ومصلحة الناس، أما العدالة فهي محصلة الإنصاف التي لا تلقي بالًا للقوة. وفي حالة الاستبداد لا يقوم العدل إلا لو سقطت السلطة.

اليوم، تناقلت المواقع خبر اعدام "النعامي" قاتل بناته الثلاث خنقا.أمام حادثة كهذه نحن أمام طريقين: طريق العدالة، وطريق القانون.

طريق العدالة سيبحث عن الأسباب التي من أجلها ارتكب الأب هذه الجريمة. سيكتشف طريق العدالة جرائم لا تنتهي. فقد قطعت السلطة راتبه مثل آلاف الموظفين المقهورين، واقفلت محلات الكوافير النسائية ففقدت زوجته أيضا دخلها البسيط وصارت العائلة بلا دخل، فثارت الخلافات بين الأم والاب، وفقد الأب دخله وسلطته وكرامته وعقله.

 سيصعد طريق العدالة أكثر ليكتشف نظامًا خفيًّا للإرهاب والنهب والجبايات يسحب الريالات القليلة من جيب الفقير ليحولها إلى مليارات في جيوب ضباع السلطة الخفية.

سيجد طريق العدالة نفسه أمام جريمتين؛ جريمة صغيرة هي قتل أب لبناته والحكم العادل فيها هو الإعدام ولا اعتراض على هذا الحكم أبدا.

لكن هناك جريمة كبرى هي ابتزاز شعب بأكمله وتجويعه. يقف القانون عاجزا أمام هذه الجريمة، أما العدالة فستعاقب على الجريمتين! 

لم يكن أمام القاضي إلا طريق واحد هو طريق القانون، القانون مهم، لكنه مملوك للسلطة، والسلطة لا تعاقب إلا على الجرائم الصغرى؛ لأن الجرائم الكبرى هي سلوكها اليومي.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!