انتقل أيضا بين الخفافيش.. إيبولا يضرب للمرة 11.. فهل نشهد الشيء نفسه مع كورونا؟

د. أسامة أبوالرُّب
الخميس ، ١١ يونيو ٢٠٢٠ الساعة ٠٢:٥٦ صباحاً
مشاركة |

بدأ العالم في تخفيف إجراءات العزل التي اتخذها سابقا لمواجهة فيروس كورونا المستجد ’’سارس كوف 2’’ المسبب لمرض ’’كوفيد-19’’، في حين أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية أن الموجة الحادية عشرة لوباء إيبولا في الكونغو الديمقراطية جاءت من مصدر مختلف عن موجة سابقة. فهل يمكن أن نصل يوما إلى الموجة 11 من وباء كورونا؟

وأعلن عن الموجة 11 لوباء إيبولا في الكونغو الديمقراطية في الأول من يونيو/حزيران الجاري في مبانداكا (مقاطعة إكواتور) التي تأثرت بوباء إيبولا سابقا بين مايو/أيار ويوليو/تموز 2018 وأسفر وقتها عن 33 وفاة.

وما زالت الموجة العاشرة لوباء إيبولا منتشرة في منطقة بيني (شمال كيفو) في الشرق. وقد بلغ إجمالي الوفيات 2280 منذ أغسطس/آب 2018.

وكان لافتا تصريح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم الذي نشره موقع المنظمة حول هذا التفشي، إذ قال إن "هذا تذكير بأن جائحة كوفيد-19 ليست التهديد الصحي الوحيد الذي يواجه الناس". وأضاف "على الرغم من أن الكثير من اهتمامنا ينصب على هذه الجائحة، فإن المنظمة تواصل رصد العديد من حالات الطوارئ الصحية الأخرى والاستجابة لها".

موجات

وتعد الموجة الجديدة لوباء إيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية هي الموجة 11 منذ اكتشاف الفيروس لأول مرة في البلاد عام 1976. وكانت مدينة مبانداكا والمناطق المحيطة بها بؤرة الموجة التاسعة التي حدثت في الفترة من مايو/أيار إلى يوليو/تموز 2018.

وحمى إيبولا النزفية أو مرض إيبولا مرض فيروسي حاد ومميت غالبا، وهو يصيب البشر وينتقل إليهم من الرئيسيات كالقردة والغوريلا وخفافيش الفاكهة. وتصل نسبة الوفاة بين المصابين به إلى 90%.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يسبب فيروس إيبولا مرضا حادا وخطيرا يودي بحياة الفرد في أغلب الأحيان إن لم يعالج. وقد ظهر أول مرة عام 1976 في إطار موجتين اندلعتا في آن معا، إحداهما في نزارا بالسودان والأخرى في قرية يامبوكو بجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي قرية تقع على مقربة من نهر "إيبولا" الذي اكتسب المرض اسمه منه.

وجه التشابه بين كورونا وإيبولا؟

ينتج كل من مرضيْ "كوفيد-19″ و"إيبولا" عن فيروسات، فالأول يسببه فيروس "سارس كوف 2" الذي ينتمي إلى عائلة الفيروسات التاجية، بينما ينتمي فيروس "إيبولا" إلى عائلة تسمى "فيلوفيريداي" (Filoviridae).

كما يجمع بين الفيروسين دور الخفافيش في نشأتهما، فوفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن خفافيش الفاكهة تعدّ المضيف الطبيعي لفيروس إيبولا، وعادة ما يكون التوزيع الجغرافي للفيروس متداخلا مع التوزيع الجغرافي لخفافيش الفاكهة. كما أن هذه الفيروسات موجودة في حيوانات أخرى مثل الشمبانزي والغوريلا.

أما بالنسبة لفيروس كورونا المستجد فيعتقد أنه نشأ أواخر العام الماضي في سوق للأطعمة بمدينة ووهان الصينية كان يبيع حيوانات برية بطريقة غير مشروعة. ويعتقد الباحثون الصينيون أنه ربما انتقل إلى البشر من الثعابين التي بدورها ربما أصيبت به من الخفافيش.

تخفيف الإجراءات

لا يزال فيروس إيبولا يضرب في موجات، وهو أمر قد نراه مع فيروس كورونا المستجد، خاصة مع بدء العالم تخفيف إجراءات الحجر الصحي.

فمثلا بدأت العاصمة الروسية موسكو أمس الثلاثاء عملية فك الإغلاق، مع إعادة افتتاح تدريجي للمتاجر والمطاعم والخدمات الشخصية وأماكن الترفيه، في حين لا يزال وضع الكمامات في الشارع والقفازات أيضا في الأماكن المغلقة، إلزاميا في المدينة التي تعد 12 مليون نسمة.

وفي تركيا أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن رفع المزيد من القيود المفروضة في إطار مكافحة جائحة كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها، مؤكدا ضرورة أن يعتاد المواطنون على "الوضع الجديد" الذي سيستمر لفترة من الزمن. كما شدد على ضرورة الالتزام بارتداء الكمامة ومراعاة التباعد الجسدي وقواعد النظافة إلى حين زوال جائحة كورونا نهائيا.

أرواح أنقذت أم وفيات تم تأجيلها إلى الموجة القادمة؟

لا شك أن تدابير الإغلاق التي فرضت لاحتواء "كوفيد-19" قد أنقذت عددا كبيرا من الأرواح، لكن تداعياتها ستكلف أرواحا أخرى حول العالم على المدى الطويل، وفقا لتقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية.

وفي حديثها للوكالة، تقول اختصاصية علم الاجتماع بجامعة ميشيغان سارة بورغارد "إنها عملية حسابية صعبة جدا"، مشيرة إلى أن "خيرة علماء الأوبئة وعلماء الاجتماع" يعملون على المسألة لتوضيح حيثيات القرار السياسي.

وتضيف بورغارد أن "من بين الصعوبات المطروحة تقييم عدد الوفيات المرتبطة بمرض كوفيد-19 نفسه، وعدد الوفيات التي تعزى إلى الفوضى وتداعيات الأزمة (على النظام الصحي)، مقارنة بالوفيات التي تعزى إلى التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تدابير الاحتواء وتأثيره على الأفراد والشركات".

وتضرب مثلا على ذلك بأن تأجيل بعض العلاجات أو الفحوصات والاختبارات للمرضى الذين يخافون من الذهاب إلى المستشفى، يمكن أن يكلف أرواحا أيضا.

في المقابل، هناك معطيات تقول إن الركود الاقتصادي قلل معدل الوفيات، إذ "عندما تكون البطالة مرتفعة، ينخفض معدل الوفيات"، وفق ما يؤكده البروفسور روم في مؤتمر عبر الفيديو نشرت أعماله في أبريل/نيسان الماضي على موقع جامعة فرجينيا.

ولكن الدراسات التي خلصت إلى أن الركود له تأثير إيجابي على معدل الوفيات تتعلق بالدرجة الأولى بالدول الغنية، إذ يقول الباحث في الصحة العامة في إمبريال كوليج لندن توماس هون "يبدو أن العكس صحيح بالنسبة للعديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث تزداد الوفيات خلال فترة الركود".

وفي ورقة عمل نشرت الاثنين الماضي، تقدر إمبريال كوليج لندن أنه تم تجنب 3.1 ملايين وفاة في 11 دولة أوروبية. ولكن هذا الأمر غير يقيني، إذ يتم احتساب الفرق على أساس تقدير أولي، وهو عدد الوفيات التي كان يمكن أن يسببها الوباء في غياب أي إجراءات عزل.

وتقول سارة بورغارد إنه حتى لو أمكن الوصول إلى نتيجة واضحة، "فماذا سنفعل بهذا العدد؟ ستكون مسألة معقدة أخلاقيا وسياسيا".

ويتوقع آرثر كابلان من كلية طب غروسمان بجامعة نيويورك أن "المسألة ستكون سياسية"، ولكن أخصائي الأخلاقيات الحيوية يقول إن التنبؤات المقلقة للوفيات جعلت من الصعب اتخاذ أي خيار آخر غير العزل والإغلاق، مضيفا أنه من الناحية السياسية فإن الأرواح المهددة على المدى البعيد "ليس لها صوت".

وفيات لاحقة

بالنسبة لهذه الوفيات التي ستحدث لاحقا، يقول اختصاصي علم الاجتماع ديدييه فاسين في صحيفة "لوموند" الفرنسية "لن يطل علينا المدير العام للصحة ليبلغنا كل مساء بأرقام الوفيات الزائدة جراء الانتحار أو السكتة الدماغية.. هذه الأرواح التي ستزهق والحيوات التي ستهدر، لن يندبها أحد، أو قلة من سيفعلون ذلك".

ولذلك ليس معروفا هل الوفيات التي تم تأجيلها ستحدث في النهاية لا محالة نتيجة العدوى بموجة ثانية من فيروس كورونا، أو نتيجة آثار الإغلاق على الحالة الصحية مثل صعوبة الوصول إلى العلاج، وزيادة الضغط النفسي نتيجة العزل والبطالة.

الكمامات ومنع الموجات

يبدو أن العلماء على بينة من الاحتمالية الكبيرة لحدوث موجات لاحقة من وباء كورونا المستجد، ولذلك يدرسون الطرق التي يمكن أن تمنع حدوث هذه الموجات أو تجعلها أقل حدة.

واليوم الأربعاء أفادت دراسة بريطانية بأن استخدام كمامات الوجه على مستوى السكان قد يقلص الإصابة بمرض "كوفيد-19" إلى مستويات يمكن السيطرة عليها فيما يتعلق بانتشار الوباء، ويمكن أن يحول دون موجات ثانية للمرض الوبائي عندما يقترن ذلك بإجراءات الإغلاق.

وتشير الدراسة التي قام بها علماء من جامعتي "كامبريدج" و"غرينتش" في بريطانيا إلى أن إجراءات العزل وحدها لن تحول دون ظهور موجة جديدة لفيروس كورونا، لكن الكمامات -وحتى تلك المصنوعة في المنزل- يمكن أن تقلل على نحو كبير معدلات انتقال العدوى، إذا التزم بها عدد كاف من الناس في الأماكن العامة.

وقال ريتشارد ستوت الذي شارك في قيادة الدراسة بجامعة كامبريدج إن "تحليلاتنا تدعم ضرورة التزام الناس الفوري والشامل بوضع الكمامات".

وأضاف أن النتائج تشير إلى أن استخدام الكمامات على نطاق واسع مقرونا بالتباعد الاجتماعي وبعض إجراءات العزل، قد يكون "وسيلة مقبولة للتعامل مع الوباء وإعادة فتح الأنشطة الاقتصادية" قبل فترة طويلة من توافر لقاح فعال.

ونشرت نتائج الدراسة مجلة "أعمال الجمعية الملكية" العلمية.

ختاما، فإن وباء إيبولا يعلمنا أن الأوبئة قد لا تختفي، وأنها قد تضرب مجددا في موجات، وأن مصدرها قد يكون مختلفا عن الموجة التي سبقتها.

هل سنصل يوما إلى الموجة 11 من فيروس كورونا المستجد؟ لا أحد يعلم، لكننا نعلم أن الاستمرار في الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي والنظافة الشخصية، والانتباه للأعراض مبكرا، ومراجعة الطبيب ومتابعة توجيهات السلطات الصحية، عامل أساسي في الانتصار على فيروس كورونا في هذه المعركة التي تبدو طويلة.

*مقال للكاتب نشر على الجزيرة نت

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!