الألمان حصّنوا وحدتهم واليمنيون يمزّقونها

د. عادل الشجاع
الأحد ، ٢٣ مايو ٢٠٢١ الساعة ١٠:٠٨ مساءً
مشاركة |

شهد عام 1990، حدثين مهمين ، كان لهما أبعادا تاريخية متفاوتة في تاريخ العلاقات الدولية ، تمثل أحدهما في إعلان قيام دولة الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 22 مايو 1990، تلاه بوقت قصير توحيد ألمانيا في 3 أكتوبر من نفس العام.

هناك تشابه بين الوحدتين ، إذ كانت اليمن الجنوبية تحتكم للنظام الاشتراكي والجمهورية العربية لشبه النظام الرأسمالي ، وبالمثل ألمانيا الشرقية تحتكم للنظام الاشتراكي وألمانيا الغربية للمنظومة الرأسمالية، بالإضافة إلى أن المحيطين باليمن لم يكونوا يحببوا إعادة التوحيد بين الشطرين ، كذلك هو الأمر بالنسبة إلى جيران ألمانيا.

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا استمرت الوحدة الألمانية متماسكة، بينما الوحدة اليمنية تعاني اليوم من خطاب الكراهية وحراب التمزيق الموجهة إلى صدرها؟

الجواب بكل بساطة أن الحزب الاشتراكي في ألمانيا قبل بالانتخابات وسلم لحزب هيلموت كول السلطة وفق النتائج الديمقراطية، بينما في اليمن رفض الحزب الاشتراكي نتائج الانتخابات وأراد أن يظل شريكا في السلطة إلى الأبد، وكان بإمكانه أن ينتصر للعملية الديمقراطية ويخرج إلى المعارضة لتحصين الديمقراطية.

من يقرأ مسار الوحدة الألمانية يجد أن الفوارق الاقتصادية التي نتجت عن دمج النظام الاقتصادي الاشتراكي بالنظام الرأسمالي مازالت قائمة حتى اليوم ، فبعد 30 عاما على إعادة التوحيد، مازالت الفوارق بين شرق ألمانيا وغربها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ومع ذلك أستطاعوا أن يتجاوزوا ذلك ليجعلوا الأشياء المشتركة رابطا بينهم أكثر من المختلفة.

أدرك المثقفون والمفكرون الألمان أن تجاوز 30 عاما من الأداء الاقتصادي السيء للحكومات السابقة لن يتم ببن عشية وضحاها ، وأن التحول الاقتصادي من نظام موجه إلى نظام السوق لن يكون بالسهولة التي توقعها الساسة الألمان ، وهذا ما أكدته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بقولها: إنه أمكن خلال ال30 عاما الماضية ، تقليل الفوارق في الظروف المعيشية بين الشرق والغرب بشكل كبير ، مؤكدة على أنه لاتزال هناك إختلافات هيكلية يتعين بذل مزيد من الجهود لتسويتها ، وقالت الوحدة عملية مستمرة ليس فقط بين الشرق والغرب ، لكن أيضا بين المدينة والريف والمناطق الضعيفة والقوية هيكليا ، وذلك في جميع أنحاء ألمانيا.

على العكس من ذلك النخب السياسية والفكرية في اليمن لم تتعامل مع الوحدة على أنها عملية مستمرة ولم تعمل على تقوية مؤسسات الدولة  ، بل ذهبت لبناء مصالحها الشخصية ، فبينما كانت النخب السياسية والفكرية في ألمانيا تعمل على توحيد العناصر المكونة للدولة ، كانت النخب السياسية والفكرية في اليمن تعمل على تعزيز الانقسامات الخاصة والعامة وأصلت لثقافة الحذر من الآخر وعمقت مشاعر التنافس حتى الكراهية.

الآن إذا أعدنا قراءة تاريخ فكرة الوحدة الألمانية بعيون يمنية ، وإذا استبدلنا اسم ألمانيا باسم اليمن والأحزاب الألمانية بالأحزاب اليمنية ، وحزب البديل الذي نشأ في ألمانيا الشرقية وامتد إلى الغربية بالمجلس الانتقالي الذي نشأ في المحافظات الجنوبية وقسم الجنوب نفسه ، إذا فعلنا ذلك ، كيف نقارن بين الوحدة الألمانية والوحدة اليمنية؟

لا شك أننا سنندهش من مبررات الذين يجادلون في خطأ الوحدة يحملونها أخطاءهم ويتجاهلون واقعهم البائس ومستقبلهم الذي تتهدده المخاطر من كل اتجاه سواء من قوى النهب والتفتيت الداخلي الحاكمة والمتحكمة ، فضلا عن قوى التفتيت الخارجية التي لا تهدأ عن التآمر والتخريب ، فالذين يسعون إلى الانفصال ، لم ينجزوا في واقعهم أية إنجازات سياسية أو تنموية يستحقون عليها الإشادة أو على الأقل تجعل من عدائهم للوحدة دليلا على صدق فرضية الاهتمام بالانفصال على حساب الوحدة.

علينا أن نقرأ مسار الوحدة الألمانية لنحصن الوحدة اليمنية ، فالوحدة هي قوتنا في مواجهة أعداء الداخل وأعداء الخارج ، فبعض الألمان سادهم بعض من مشاعر الحنين لأنماط من الحياة العقيمة وخاصة لدى الأجيال التي لم تعرف حقيقة الحياة قبل الوحدة ، ما دفع إلى إطلاق حملة للتصدي لهذا الحنين وتقييم الماضي في سياقه التاريخي.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!