مصر في زمن مبارك

د. مروان الغفوري
الاربعاء ، ٢٧ يناير ٢٠٢١ الساعة ١٢:٠٩ صباحاً
مشاركة |

السنوات الأخيرة من زمن مبارك شهدت تطورين مهمين: انتقال بطيء للسلطة من يد الجنرالات إلى قبضة رجال الأعمال. وبروز المجتمع المدني كقوة مركزية..

كما شهدت ’’الديموقراطية الموجهة’’ موجات صعود وهبوط (انتخابات 2005/2010) داخل حقل من التحولات أوسع بكثير من العملية الانتخابية. كانت الحياة تراكم نفسها والأبواب تفتح وتغلق. كانت مصر في تلك الأثناء مركبا غير مستقر..

النمو الأفقي للحياة الليبرالية والتماسك الشكلي لنظام العدالة الذي قدم نفسه في عهد ’’زكريا’’ خصما مباشرا للسلطة, فضلا عن انتعاش رواية وسينما ’’كوخ العم توم’’ ..كل ذلك مزودا بسيل من الصحافة المتمردة جعل القاهرة تبدو وكأنها عاصمة العالم الثالث.

 على الجانب الآخر كان النظام يحرص على تقديم نفسه باعتباره الحارس الليبرالي للحياة المصرية, وكان يعنى لسمعته الدولية إلى حد بعيد. كانت مصر تضيء من كل جانب وكان العسكر في الخفاء عاجزين عن فهم ما يجري ناهيك عن التصرف حياله.

في مؤتمر الحزب الوطني الذي حمل عنوان ’’بلدنا بتتقدم بينا’’ قدم الحزب الحاكم طبقته الجديدة من الحكام وهم خريجو الجامعات ا والمعاهد الأوروبية ممن عاشوا الحياة الليبرالية واختبروا جادبيتها وإغواءها وعادوا محملين بطموحات تختلف كليا عن طموحات الجنرالات ورجال المخابرات.

كان مبارك يجازف بمستقبله السياسي من خلال سماحه بكل ذلك وكان قد نجح إلى حد كبير في إفساح مجال للمدنيين داخل دولة ’’الملك مينا موحد القطرين’’. عاشت مصر في العقد الأول من هذا القرن حياة منفتحة ومليئة بالاحتمالات وشديدة الشبه بحياتها في عشرينات القرن الماضي حبث التنوع الخلاق والليبرالية المتصاعدة سياسيا وثقافيا. 

كانت الديموقراطية تتأسس من الأسفل إلى الأعلى, وكانت الثقافه الليبرالية المتنامية تخلق مكانا لقيم التسامح والتنوع الخلاق والإبداع.

تحركت مصر كلها داخل الصحافة وخارجها وتأسست شبكة أمان نفسية بدا من خلالها وكأن مصر مملوكة لأهلها. وسمعنا رئيس مجلس القضاء يتوعد رئيس الجمهورية وكتبا بعناوين على شاكلة كرت أحمر للرئيس, كما. تخلت القوى الليبرالية والإسلامية عن صراعها المميت وذهب الإخوان إلى منزل محفوظ ليقولوا له إن فوزهم في الانتخابات سببه القيم الليبرالية التي بثها في رواياته.

في تلك الأجواء العامرة باحتمالات المستقبل حدثت ثورة 25 يناير، ومن خلال تلك الثورة انقض الإسلاميون على كل شيء، ثم انقض العسكر على الإسلاميين، ودخلت مصر في ظلام دامس سيغطيها عشرات السنين تماما كما هي صورتها في العهد القديم.

م.غ.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!