الجمعة ، ١٦ اكتوبر ٢٠٢٠ الساعة ٠١:٢٥ صباحاً
مشاركة |

في الأيام الماضية أرسل 178 باحث وعالم رسالة إلى المجلة الطبية المرموقة ’’لانسيت’’. في الرسالة أدان الباحثون كل فكرة عن مناعة القطيع. حيث حوالي 30 في المائة من المجتمعات تمثل المجموعة الأكثر هشاشة فإن فكرة مناعة القطيع ستعني وضع ثلث المجتمعات أمام الخطر.

لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه المواجهة المفتوحة مع الوباء على المستوى الفردي والمؤسسي. في تقدير الباحثين فإن الفكرة مجنونة وانتحارية، على وجه الخصوص ونحن لا نعرف المدى الزمني للمناعة التي يستثيرها.

كان 80 باحثاً قد نشروا في الأيام الماضية رسالة جماعية مجدوا من خلالها فكرة human Challenge Trial . وهو نوع من الدراسات استخدام مرارا في القرن الماضي، ويعود استخدامه لأول مرة إلى القرن السابع عشر. في تلك الأيام قام باحث شاب بحقن أشخاص سليمين بفيروس [مادة تحتوي على فيروس] جدري البقر ثم عرضهم للإصابة بالجدري. لاحظ أن إصابة الشخص بجدري البقر تحرسه من الإصابة من الجدري القاتل، جدري البشر. يتعلق الأمر بتشكيل الجسم لأجسام مضادة تعمل على الإمساك بالفيروس فور اقتحامه للجسم.

فيما يخص كوفيد 19، يجري الحديث عن هذا النوع من الدراسة. الباحثون المشار إليهم أعلاه قللوا من الخطر. من المفترض أن تأخذ الدراسة هذا الشكل: يعطى أشخاص غير مصابين لقاح كوفيد 19. ينتظرون لمدة أسبوعين، ريثما يكون الجسم قد شكل أجساماً مضادة، ثم يعرضون بعد ذلك لفيروس كورونا المستجد وتتابع حالتهم العامة من أكثر من زاوية من أجل معرفة فعالية اللقاح المعطى لهم. شكل آخر للدراسة: تقسم مجموعة الدراسة إلى مجموعتين، واحدة تحصل على اللقاح والأخرى تحصل على مادة كاذبة، دون أن يعرف الشخص المتلقي ما إذا كان قد حصل على اللقاح أم على المادة الكاذبة. يتركون بعد ذلك ليخوضوا حياتهم الطبيعية ويلاحظون. تجمع البيانات على مراحل معينة لمعرفة أي الفئتين أكثر عرضة للإصابة بالفيروس.

كل هذا الجدل سيستمر في المستقبل. قبل أسبوعين تشكلت مجموعة من الباحثين الأميركان ودعت علانية إلى خروج الناس إلى الحياة الطبيعية، ورفع السواتر والموانع ونزع الكمامات. وبالطبع فلهذه المجموعة حججها القوية، وبمقدورها أن تسرد أرقاما وتقدم تأويلات علمية متينة.

الحقيقة أنه سيكون علينا أن نغير في نظام حياتنا بالكامل، أن نصبح أكثر نظافة وأقل حميمية. الفيروس تمكن من العالم، وسيعيش مستقبلاً كما فعلت باقي الفيروسات. ينتمي، كما نعلم، إلى مجموعة فيروسات ال RNA وهي مجموعة غير مستقرة، تتحوّر باستمرار، حتى إن دراسة علمية نشرت مؤخراً تحدثت عن أكثر من مائة ألف عملية تحور مر بها كورونا المستجد منذ الشتاء الماضي، أي على مستوى القواعد النتروجينية.

قالت الدراسة إنه صار ممكناً أن يصاب شخصان في نفس المكان بنسختين مختلفتين بعض الشيء من الفيروس نفسه.

ما الذي يجري الآن؟ هناك موجة ثانية. 

في مارس من هذا العام كانت ألمانيا تجري 160 ألف فحصاً في الأسبوع، ثم تصاعدت قدراتها. الآن تجري مليون ونصف المليون في أسبوع. بهذا العدد الضخم من الفحوصات استطاعت أن تكتشف ستة آلاف حالة في اليوم، وهو نفس العدد الذي كانت تصل إليه ب 160 ألف فحص فقط. 

ما معنى هذا؟ يعني إن على ألمانيا أن تعمل بطاقة تعادل سبعة أضعاف طاقتها في الربيع لتكتشف نفس العدد من الحالات. هل هذه موجة ثانية؟ هي موجة ثانية بالطبع، ولكنها أيضاً ظاهرية إحصائية. فالدراسات والنماذج الرياضية التي نشرت في الشهور الماضية كانت تقول إن إجمالي ما اكتشفته البلدان من الحالات لا يعادل سوى عشرة في المائة من حقيقة/ حجم الوباء [نموذج جامعة كولومبيا]. الآن صار بالمستطاع الوصول إلى الأرقام الشبحية، إلى الظلمات، وشاهدنا الآلاف مجدداً. أيضاً هناك تزايد حقيقي غير إحصائي. 

هذا ما نجده في المشافي. مثلاً: قالت مستشفى جامعة إيسن [أكبر مستشفى في ميتروبول حوض الرور] إنه قدرته على استقبال حالات كورونا وصلت الحد. ومن حاصل حوالي 400 سرير جهزتها السلطات الطبية في ليفربول شغل المرضى حوالي 240 في أسبوع.

أصبحنا أكثر دراية بالفيروس، وبقي الفيروس قادراً على الحركة أكثر من ذي قبل. لم يعد ممكناً إيقافه، هذا ما تقوله كل النماذج. الاستراتجيات الممكنة لاحتوائه، وليس لهزيمته، شاملة، يأتي تغيير نظام التواصل والحياة الاجتماعية في المقدمة. ثم تأتي الأمصال واللقاحات. مضت مائة عام على الحمى الأسبانية H1 N 1

في العامين الأخيرين من الحرب العالمية الأولى قتل الفيروس عدداً مهولاً من البشر، تذهب التقديرات إلى 50 مليون نسمة. ما الذي حدث لذلك الفيروس، فيروس الحمى الأسبانية؟ بقي في العالم، بقي بيننا. في العام 2009 انتعش من جديد وسبب وباء رهيباً كان مركزه أميركا.

في أميركا، خلال عام واحد، أصيب ستون مليوناً، دخل منهم ربع مليون إلى المستشفيات ومات حوالي 13 ألف نسمة. لنعد إلى الماضي، إلى الحرب العالمية الأولى: وفيات فيروس الحمى الأسبانية [انفلونزا الطيور] لا تتجاوز ال1 في المائة. وهي أقل بكثير من الأرقام التي نعرفها عن وفيات كوف سارس 2، أو كورونا المستجد [تجاوزت ال8 في المائة في بعض الدول].

العالم قرية، القرية مزدحمة، والزحمة تجلب الأوبئة.

هذه هي خلاصة العالم، وتلك هي أزمته.

مروان.  

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!