نلسون مانديلا انتصر على سجنه وآخرون انتصر سجنهم عليهم

د. عادل الشجاع
الاثنين ، ٠٥ اكتوبر ٢٠٢٠ الساعة ٠٢:٣٨ صباحاً
مشاركة |

لم يستطع التاريخ أن يمحو ذكرى مانديلا ، فحتى اليوم مازالت شخصيته جذابة ومثيرة لاهتمام المؤرخين وكتاب السياسة ، لأنه بكل بساطة لم يثنيه السجن عن السعي لاسترداد وطنه وحريته ، فقد تميز بثلاث صفات كانت فريدة من نوعها في مواجهة الخصوم وطرح البدائل ، الصفة الأولى ، تمثلت في قدرته على المواجهة وبيده قيادة حركة التحرر ، الثانية ، فلسفته في الحياة قولا وعملا ، أما الثالثة ، فقد تمثلت في تمكنه من منح البسطاء والفقراء أسلحة تعينهم على استرداد حريتهم ، فاستطاع أن يجمع ويوحد طاقات الشعب ، وبذلك حطم نظرية الإنسان المسجون وأثبت أن السجن لا يمكن أن يقيد الإنسان عن الكفاح بالإصرار والقرب من الناس وتبني قضاياهم.

لم يكن مانديلا يرقد على مليارات الدولارات ، كما يرقد عليها بعض من الذين وضع فيهم اليمنيون ثقتهم بأن يتبنوا قضيتهم ، ولم يتحول إلى كاتب تعازي يشيع الموتى ويجافي الأحياء ولم يقدم خطبة عصماء في محبته لقيادة حزبه على حساب قواعد الحزب خاصة والشعب اليمني عامة ، بل كان يتقاسم المعاناة مع الفقراء والمظلومين والمغلوبين على أمرهم ، فاستطاع أن يكون جذوة مشتعلة لشعبه بالإرادة التي يمتلكها.

باختصار كان مانديلا يقاوم القهر ويقاوم الاستبداد ويقاوم انتهاك سيادة الوطن وسيادة المواطن ، ولو كان يمتلك المليارات كما يمتلكها بعض اليمنيين الذين يقطنون خارج اليمن والذين بسببهم وبسبب نزواتهم غير المحسوبة سياسيا يعاني الشعب اليمني ويلات العدوان الحوثي والعدوان الإقليمي ، لصنع بهذه المليارات أعظم ثورة في الحرية للعالم أجمع ، فمن كان يحب شعبه لا يمكن أن يعطيه ظهره ولا يمكن أن يكنز المال لغير حاجته.

لقد ترك مانديلا علامات غائرة في صدر التاريخ وبث ثورة الحرية في روح شعبه ولم يقيده سجن ولا سجان ولم يرهن بلده لبلدان أخرى بل ربط مصلحة بلده بمصالح الدول الأخرى وفق السيادة والعلاقات الدولية المشروعة ، ولم يمجد أفرادا أو يشيع أمواتا ، بل كان مع الحياة والأحياء قبل الأموات وكان مع القواعد والشعب قبل القيادات.

من سجنه تسبب في اضطراب مضجع أعداء شعبه وانتزع حقه وحقوق شعبه المغتصبة وإرادته وإرادة شعبه وتعبئة الجماهير وتسليحها بسلاح الرفض ولم يحاصر نفسه بالخوف ، فقد تعلم أن الشجاعة لا تعني غياب الخوف ، بل القدرة على التغلب عليه ، فاستخدم الشجاعة في قهر الخوف ، وأدرك أن الحرية لا تقبل التجزئة .

لقد استمد مانديلا قوته من إيمانه بأنه ناضل إلى جانب قومه ومن أجلهم ، فقد آمن أن حرية شعبه معلقة عليه فتحمل المسؤلية بجدارة ، فحينما خير بين أسرته ونضاله السياسي اختار النضال السياسي ، ليس لأنه يريد أن يضحي بأسرته وأولاده ، بل لأنه يدرك أنه لا معنى لحياته وحياة أولاده في ظل انعدام حرية شعبه ، فترفع عن مصالحه الشخصية لصالح شعبه .

فهل نجد اليوم من يتمثل مسيرة مانديلا من الذين قادوا اليمن إلى هذا البؤس وغلبوا مصالحهم الشخصية على المصلحة الوطنية ذات يوم ونجدهم يرمون الخوف وراء ظهورهم وينفقون المال الذي أفقدهم حريتهم على الشعب اليمني ليصنعوا به أعظم ثورة تقف في وجه العنصرية والاستعمار ؟ إنا لمنتظرون ، ولعل الله يبعث من القبور.  

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!