اليمن بين فكي المليشيات والنخب السياسية

د. عادل الشجاع
الاثنين ، ١٧ أغسطس ٢٠٢٠ الساعة ١١:١١ مساءً
مشاركة |

تحولت اليمن إلى ساحة عراك محلي وإقليمي ، يبدو أنه سيطول ولن ينتهي إلا بانتهاء اليمن ذاتها، فالصراع القائم تديره جهات ذات مصالح تحاول تكريس الخصومة والفرقة والتطرف من منطلق رسم الخرائط الجديدة ومحو التاريخ ، فقد وجدت اليمن نفسها أمام مليشيا خارجة للتو من كهوف الأيديولوجيا الممزوجة بالجهل وأخرى تدحرجت من أقصى يسار الطيف السياسي مجردة من الأسس الفكرية ، عدا استعادة خطاب تحريضي يمتطي مطالب الناس ، بينما النخب السياسية حاولت أن تتسلق على ظهر هذه المليشيات وتسايرها وتتبنى شعاراتها.

لا يوجد مشروع وطني لدى هذه النخب وليس لديها مطالب سياسية ولا مجتمعية ولا حتى أهداف عقلانية ، وقواعدها وجدت نفسها منساقة في شتائم يومية تطال الموتى والأحياء ، بما يناقض الموروث الأخلاقي عند اليمنيين وانساقت وراء تعصب أعمى أدى إلى استباحة الوطن دولة وشعبا.

اتضح جليا أن تلك النخب مصنعة في الخارج والبعض منها أعيد تصنيعها على عجل في الخارج أيضا ، فظهرت متخبطة في شعاراتها الأيدولوجية توقظ الأحقاد القديمة مرتهنة من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها مناقضة ل٥٨ عاما من الاستقلال الوطني.

لم تستطع هذه النخب توفير البديل الوطني لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، لذلك عبرت عن تطلعاتها بدلا من تطلعات الشعب اليمني لأنها لا تملك ثوابت وطنية كما قلنا ولهذا قدمت نفسها على أنها في مواجهة الحوثي ، لكنها أظهرت أنها مليئة بكل التناقضات وكل الفاسدين والمتسلقين والضالين والمتآمرين لتؤكد للجميع أنها نخب طفيلية لا ترتكز على فكر وطني.

سقطت هذه النخب بالتبعية والارتهان أو بمعنى أصح كانت ساقطة والحرب هي التي عرتها وأظهرت وجهها الطائفي والمناطقي ورهانها على حرق مركب الوطن والوصول باليمن إلى بيئة ممزقة ومخربة.

سقطت هذه النخب بيد الاستعمار القديم والحديث وتماهت مع الإمامة الكهنوتية ، فصار لزاما على اليمني أن يعطل عقله ليقنع نفسه أن الجمهورية ستحميها الإمامة وأن الاستقلال سيحميه الاستعمار وأن الديمقراطية وحقوق الإنسان ستحميها أكثر الدول تخلفا فيهما.

أقول بكل وضوح ، إن اليمنيين يشعرون بالمهانة الوطنية خاصة وهم يرون نخبهم تساق كالقطعان وتعلف كالدواجن ، نخب مراهقة وطفيلية ، سطحية التفكير انفعالية حاقدة ومرتهنة متصادمة مع تطلعات الشعب اليمني الحقيقية.

استعارت هذه المليشيات ومعها النخب السياسية كل ثياب الحرب والمؤامرة للقضاء على الدولة ، وتفتيت كيانها الجغرافي والتاريخي والمجتمعي وكشفت هذه النخب عن عوراتها وسوءاتها الكثيرة وهي تتمسك بمناطق جغرافية تتواجد فيها وتتمنى زوال مناطق جغرافية أخرى يتواجد فيها آخرون وكأنها ليست من اليمن.

وبالرغم من كل هذا فإن الشعب اليمني لا يزال متمسك بثوابته وأرضه ومن داخله يتشكل تيار وطني الواقعية السياسية تفكيره وحقوق الشعب المستقبلية مطلبه ، هدفه الفرص المتساوية لأبناء الشعب اليمني وعدالة الحقوق والواجبات المرتكزة على المشروع القومي الحضاري ، تيار وطني متسامح مع ماضيه لأجل بناء المستقبل ، يرفض النبش في أحقاد الماضي الشخصية والطائفية والمناطقية التي ستغرق الجميع بسيل من الدماء إذا فتحت.

نحن أمام تيار وطني يولد من رحم المعاناة فاتحا ذراعيه لكل من يؤمن بالجمهورية كحامل سياسي لثورة السادس والعشرين من سبتمبر والوحدة اليمنية كلبنة أولى على طريق الوحدة العربية ، يؤمن باليمن وطنا وبالمواطنة خيارا واحدا بعيدا عن أزمة الطائفية والمناطقية الضيقة ، يولد هذا التيار بعد أن أدرك اليمنيون أن النخب الحالية ليسوا سوى مقامرين ، وليس لديهم ما يقامرون به غير مستقبل وطنهم وشعبهم ، سيستعيد التيار الوطني القرار الذي اختطفته المليشيات والنخب السياسية في غفلة من السياسة والتاريخ وباعوه لأول مشتر.

*نقلا عن صفحة الكاتب على فيسبوك.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!