قرار تحرير المشتقات النفطية في الميزان

عبدالحكيم الجابري
الاربعاء ، ١٢ أغسطس ٢٠٢٠ الساعة ٠٢:٥١ مساءً
مشاركة |

 

في مطلع شهر مارس من عام 2018، أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارا، ليحرر بموجبه سوق المشتقات النفطية لجميع الشركات، وفي جميع المنافذ والموانئ، في إطار المنافسة الإيجابية ومنعا للاحتكار، بإشراف شركة النفط والتنسيق والتعاون مع الأجهزة والمصالح الحكومية ذات العلاقة. وقد فسرت الحكومة ولجنة المستشارين الاقتصاديين التابعة لها ذلك القرار، على انه تحرير لسوق المشتقات النفطية، وفتح مجال الاستيراد أمام شركات القطاع التجاري الخاص، وإخضاع عملية بيع وتوزيع المشتقات للمنافسة بين الشركات، بعد توقف شركتي النفط الحكومية ومصافي عدن، عن استيراد الوقود نتيجة أزمة شح الدولار، وعدم قدرة الحكومة على تغطية فاتورة ورادات الوقود بالعملة الصعبة. في حقيقة الأمر أن فتح المجال أمام القطاع الخاص لم يكن وليد القرار الرئاسي المذكور، إنما تم ذلك منذ وقت مبكر لاندلاع الحرب، إذ سمح الحوثيون في شهر يونيو 2016 للتجار باستيراد الوقود، بعد أن استولوا على ممتلكات شركة النفط الوطنية ونهبوها، وصادروا أموالها ودمروا بنيتها الادارية وصادروا منشئاتها، وانشأوا شركات موالية لهم أوكلوا لها كل اعمال الاستيراد، وحتى في المناطق الأخرى من البلاد، بعد تحرير عدن والمحافظات المجاورة لها، كانت شركة النفط معطلة ولاوجود حقيقي لها، وكانت عمليات استيراد الوقود تقوم بها مجموعات نشأت من داخل تلك الأزمة، والحال نفسه في حضرموت، التي كانت تحت سيطرة تنظيم القاعدة، فكانت عمليات الاستيراد يقوم بها كل من توفرت لديه المادة، وكان التنظيم يأخذ نصيبه من قيمة الخزن في مخازن شركة النفط. لعل القرار الرئاسي والإجراءات التنفيذية التي أصدرتها الحكومة، كان الهدف منه تنظيم هذه عملية الاستيراد، وانهاء اي احتكار لهذه العملية من قبل الحكومة، من أجل تحقيق استقرار في السوق، وبما ينعكس إيجابا على مختلف النواحي الأخرى، التجارية والمالية وغيرها من دورة الحياة الاقتصادية والتجارية والمعيشية. ومن أجل إنجاح تجربة قيام القطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية، قدمت الحكومة تسهيلات كبيرة لهذا القطاع، منها إلزام البنك المركزي بتوفير العملة الصعبة للمستوردين بأسعار مخفضة جدا، مقارنة بسعر الدولار في سوق العملات المحلي، وعلى أن يورد هؤلاء التجار، قيمة المشتقات المستوردة إلى البنك المركزي بالريال اليمني، وعلى أن تؤجر شركة النفط بفروعها ومصافي عدن، خزاناتها للمستوردين وبأسعار في حدودها الدنيا. رغم كل ذلك، إلا أن تجربة فتح الباب بمصراعيه أمام القطاع الخاص، لاستيراد المشتقات النفطية، لم تكن تجربة ناجحة حتى الآن، فهي لم تحقق المنافسة العادلة، ولا الوفرة وبأسعار معقولة، إذ لاتزال الأزمات في الوقود تطل برأسها بين الحين والاخر، ومن فترة إلى أخرى، سواء للمواطنين عبر محطات البنزين أو حتى في تموينات الكهرباء، إلى جانب انها شكلت صورة من العشوائية والابتزاز في تجارة الاستيراد، وهو مايفسره التفاوت الكبير في الاسعار بين المحافظات، بل حتى بين منطقة وأخرى داخل المحافظة الواحدة، ولاننتظر من شركات نشأت في ظروف الحرب،  وانبثقت من بيئة غير صحية، إلا أن تكون هكذا. إنها مخاطرة كبيرة أقدمت عليها الحكومة، وهو قرار مستعجل، بأن وضعت استيراد هذه المادة الحيوية، بايدي قطاع لايملك من القوة الكافية للقيام بهذا العمل، فالشركات المستوردة اليوم، جميعها عائلية أو فردية وبإمكانيات محدودة، فالقطاع الخاص في بلادنا يحتاج إلى رأس مال كبير للدخول في تجارة المواد النفطية، باعتبارها حلقة كبيرة، وسلسلة انتاج طويلة، من مستودعات وناقلات، الى جانب القدرات اللوجستية والإدارية غير المتوفرة. ان كل مايتم الان من عمليات استيراد المشتقات النفطية، إنما يتم بطريقة بدائية وعشوائية، وتتخللها ممارسات ابتزاز، فأغلب هذه الشركات وهي في غالبيتها شركات بعقلية دكاكينية، تقوم بشراء الوقود من جماعات تهريب أو من السوق السوداء في عرض البحر، وتبيعه للسوق المحلية بأسعار باهظة جدا، تربحها نسب خيالية، مستغلة في ذلك غياب المنافسة الحقيقية والعادلة، ودون أي اعتبار لصعود أو هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية. ومن أجل تحقيق المنافسة العادلة والوفرة والأسعار المعقولة، أرى أن يفتح المجال أيضا للشركات الأجنبية، والسماح لها باستيراد المشتقات النفطية، وأيضا دعم شركة النفط الوطنية للدخول في المنافسة، وليكن مجال نشاطها مثلا في توفير وقود محطات الكهرباء، وتلبية متطلبات المؤسسات والمصالح الحكومية، وعندها سنرى كيف تنتهي هذا العشوائية، وسنقضي معها على الابتزازات التي تمارسها شركات الاستيراد العائلية.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!