هل يستطيع الانتقالي العيش خارج حضانة الإمارات؟

د. عادل الشجاع
الاربعاء ، ٢٩ يوليو ٢٠٢٠ الساعة ٠١:٢١ صباحاً
مشاركة |

في البدء لابد من القول بأن المشروع الوطني اليمني تبلور في إطار مقاومة المشروع الكهنوتي في الشمال والاستعمار في الجنوب كحالة نفسية مرتبطة بالكرامة والحرية ، وارتكزت مقدمات هذا المشروع على الهوية القومية التي تبلورت في إطار المشروع النهضوي العربي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي . الحالة الحوثية اليوم في الشمال والانتقالي في الجنوب هي خروج على هذا المشروع والعودة به مرة أخرى إلى الحالة الكهنوتية والاستعمارية .

وبما أن حديثنا عن الانتقالي في الجنوب ، فإننا سنتوقف أمام محدودية هذا المشروع وانزوائه المناطقي على حساب البعد الوطني ، هذا الانزواء جعله مشروعا ميتا وغير قابل للاستمرار لأنه يجافي الهوية الوطنية الجامعة ، فقد فقد الانتقالي مفعوله السياسي والمدني معا ، لأن غاية السياسة هي التسامي والتجاوز من أجل التوحد الأشمل ، في حين أن غاية الانتقالي هي خلق التمايزات وبعث الخصوصيات المناطقية ، حتى الفكرة الجنوبية لديه ليست خالصة ، فهي تنطلق من مصدر انتفاع وتبعية ، يديرها بالتنافس والتناحر . هذا المسلك سيوصله إلى مرحلة التشرذم والترهل والتآكل والجمود والعجز ، كونه لم يستطع التكيف مع الواقع .

من دلائل ضيق مشروعه أنه استبدل التفكير بالمصير الوطني الجماعي للشعب اليمني بخلق مرجعيات وهمية فارغة من محتواها الوطني . كان يمكنه الحديث عن مشروع الدولة العام ، وكان سيحصل بموجبه على اتفاق عام شمالا وجنوبا ، لكنه كما قلنا لا يملك مشروعا أساسا وما حديثه عن القضية الجنوبية إلا إفراغا لهذه القضية حتى تستمر الفوضى التي تمكن كفيله من الاستمرار في اليمن لفترة أطول .

وإذا توقفنا عند السنوات الأخيرة المعاشة بالصوت والصورة ، وربطنا الأحداث بسياقاتها ، فسنجد أن المعركة مازالت هي هي ، لم تتغير بجوهرها ، وإن تبدلت بعض قواها ، فهناك مشروع احتلال يفرض نفسه على اليمن ، هدفه تقسيم اليمن ، وهو مستميت في إسقاط علم الجمهورية ورفع علم الانفصال في بيئة ترفض هذا الانفصال لإدراكها أنه بديل سيء ينشد الفوضى ويقمع التنمية والبناء ، وتدرك أن البديل هجين ركب وفق قياسات تساعد على التبعية وليس على الاستقلال .

والمتتبع لإنجاز الانتقالي ، يجد أن إنجازاته تتمثل في وضعه المواطنين الواحد في مواجهة الآخر ، حتى لو كانوا يتقاسمون المدينة نفسها أو المكان المشترك ، لقد وضع المواطنين في ضفتين متقابلتين ومتناقضتين حول الأصل والهوية ، وليس حول سبل مواجهة الفقر وتأمين الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليم وإيجاد فرص العمل والحياة الكريمة ، وحاول تعزيز الحقد المتبادل واستحضر التاريخ بويلاته ومآسيه .

هذه الممارسات التي يمارسها الانتقالي ، الهدف منها جعل الأطراف تنبش أكثر الفترات السوداء قتامة والتي كانت دولة الوحدة قد اعتبرتها منتهية وقد تخطاها الزمن ، من حروب القبائل والمجازر التي ارتكبت في حقبة الاستعمار وما تلاه إلى الحروب الحالية وما رافقها من حالات التهجير والتطهير والفرز المناطقي ، التي أصبحت موادا للمتاجرة السياسية ، كل الذي فعله الانتقالي هو تضخيم الخطاب المناطقي والتقوقع حوله وأسقط الخطاب الجامع المرتبط بالقضايا والمشاريع الكبرى كالتحرير والتحرر والتنمية التي لو تبناها لا التفت حوله الجماهير شمالا وجنوبا ،لكن فاقد الشيء لا يعطيه .

تقوقع الانتقالي حول نفسه ، بسبب غياب القضية وغياب المشروع السياسي الواضح المرتبط بالهم الاجتماعي وتغيبه القسري للقوى الحية في المجتمع . وبما أن الانتقالي أصبح مربكا لمشروع التحرير الوطني ولاستعادة الدولة ، فهل مازال الخصم ملتبسا ؟ من دون شك كلا : هي الإمارات وعدتها من المال والأتباع ، باتجاهها فلتصوب البوصلة فقط ، وعلينا ألا نضيع الاتجاه في الحول السياسي . اضربوا رأس الأفعى ، لأن الذيل هو الأدوات التابعة لها ، فقطع الذيل لا يضر بالرأس .

مشروع الإمارات منذ دخولها في تحالف دعم الشرعية يتمثل في نشر الفوضى وبناء المليشيات ، فهل رأينا مهندسا أو طبيبا أو خبيرا من قبل الإمارات ؟ فهي تقف بوجه إمكانية التأسيس لاجتماع يمن موحد بسياقه التاريخي المرتبط بثقافته المشتركة . على هذا الأساس كنا قد تحدثنا منذ فترة بعيدة بأن مشروع الانتقالي سيفشل ، لأنه ألزم نفسه بتبعية لا تعمل أي اعتبار للمصلحة الوطنية ، وما الائتلاف الوطني الجنوبي إلا تعبيرا عن خلل المشاريع الصغيرة ، وهو يكشف عن نقلة نوعية وعن قرار عميق في تعديل مسار الأحداث السياسية والاجتماعية في إطار جديد يقف سدا منيعا بوجه مشاريع الهيمنة على الهوية ومصادرتها ، وهو المشروع الذي يمثل اليمنيين كل اليمنيين .

* نقلا عن صفحة الكاتب على فيسبوك.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!