ليست المشكلة في وصول الوباء إلى البلد، بل في غياب استراتيجية علمية لاحتوائه وإحباطه

د. مروان الغفوري
الجمعة ، ٢٢ مايو ٢٠٢٠ الساعة ٠٩:٠٣ صباحاً
مشاركة |

على المستويات الرسمية. وفي استهتار المجتمع بالخطر.

أي: في استحالة الحديث عن ضوء في نهاية النفق!

كما لو أن الحروب والتشظي، والموت الجاري منذ عشرة أعوام، لم تترك للناس شيئا ليخشوا عليه ولا حتى فكرة الحياة نفسها.

البلد الذي ضربت مدنه بكل أنواع القنابل، وزرعت في طرقه كل أشكال الألغام، وشهد موجات متتالية من الجماعات الجهادية وتنظيمات الاغتيالات.. وتعرض لتشويش ذهني مخيف، ساهمت الجماعة الصحفية في الجزء الأكبر منه،

هذا البلد، وأهله، سيكون من الصعب تخويفه بميكروب يقاس بالميكرومتر!

أمر واحد بمقدور أي مهتم بالوبائيات تخيله:

يتمتع الوباء بكل الشروط التي تجعله يطيش في كل زقاق ويصل إلى أبعد الأماكن. في ظل ما نشاهده فمن غير المحتمل أن تبطئ الموجة في المدى المنظور.

ولماذا ستبطئ وكل الطرق سالكة؟!

وأخطر ما في أمره، وقد كتبت هذا قبل ستة أسابيع، أنه سيزيل من طريقه مزودي الصحة، فهم يواجهونه عراة من كل حماية وحيلة. ثم سيصبح في مواجهة مفتوحة مع مجتمع بلا وعي كامل، في بلد انهار نظامه الطبي!

الأسرة التي تأخذ الأمر على محمل الجد ستسقطها الأسرة التي تسخر من الحقيقة.

الموت الذي نقرأه على مر الساعات ليس سوى الشظايا المبكرة. 

مات الكثيرون من الذين كنت أتابع حالاتهم شخصيا. الحوارات المفتوحة على الخاص مرة ومذهلة. رددت الصباح على الشاب الذي كان يوافيني بفحوصات عمه، قال إنه مات عند الفجر. وفي المساء قال إن شقيقته فارقت الحياة. وقال شاب مسكين قبل يومين، بعد مراسلة طويلة: ماتت أمي يا دكتور. وأمس، في النهار، قالت رسالة منه: يا دكتور، أختي في ضيافة الله.

بينكم أناس يسخرون من هذا المشهد، وسيتندرون. كما فعلوا دائما، وكما تندروا وقهقهوا عندما قلنا إن معسكرات الحوثيين التي نصبوها حول العاصمة ستدمر الجمهورية! الحمقى الذين تركناهم يمارسون حقدهم وقلة خيالهم فهلكوا وأهلكونا معهم.

على كل حال، هذه دعوة من أجل التواطؤ على استراتيجية على المستوى الشعبي: أن لا يضر أحد منا الآخر، وأن لا نعيش كجماعة، ولا يمشي أكثر من اثنين معا، ولا نلمس أشياء المنزل قبل أن نغسل كل ما تعرض من جسدنا للهواء، وأن نضع الكمامات، وأن نعزل كبار السن.. إلخ. إذا لم تفعلوا ذلك، إذا فعلت مجموعة صغيرة ذلك ورفض الآخرون، فلن تخرجوا إلى طريق سلامة. سيبقى الوباء في المركز، داخل الجماعة اللامبالية، ولن يكون بمقدوركم تنفيذ استراتيجية خروج من الحجر إذا لم تكونوا جميعا قد ذهبتم إليه!

النجاة هنا جماعية لا مكان للحل الفردي أو الجزئي.

سلامات عليكم ..

م.غ.  

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!