الاتجار_باسم_الحرية

فتحي بن لزرق
الجمعة ، ٠٢ مايو ٢٠٢٥ الساعة ٠٤:٥١ صباحاً
مشاركة |

كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن قضايا الاتجار بالفتيات اليمنيات في بعض الدول العربية، وبدأت حملات التعاطف تتوسع على مواقع التواصل، حتى باتت تُطرح هذه القصص وكأنها حكايات ظلم خالص دون النظر إلى جذورها ومسؤولياتها الأخلاقية والمجتمعية.

 

ما سأقوله هنا ليس موجهًا للإساءة إلى أي فتاة، وليس رأيًا مقدسًا أو ملزمًا لأحد، لكنه رأيٌ من واقع نراه ونعيشه، ومن موقع أب وأخ غيور على بنات هذا البلد، وهو كلام لا يُقال ترفًا، بل لأنه يجب أن يُقال.

 

الحقيقة المُرّة أن ما يُسمى بـ"الاتجار" في هذه الحالات، في الغالب الأعم، لا يبدأ من الخارج بل من الداخل: من فتاة تتخذ قرار السفر بلا محرم، ومن أسرة تتخلى عن مسؤوليتها الأخلاقية وتسمح بسفرها دون هدف مشروع، لا دراسة، لا علاج، لا استقرار… لا شيء سوى "سفر في الهواء".

 

وحين تسافر فتاة بهذه الطريقة، على غير هدى ولا غاية واضحة، فهي لا تترك نفسها فقط، بل تترك أيضاً احترامها، وأمانها، وكرامتها مكشوفة أمام من لا يرحم.

 

أقولها بصراحة: التعاطف مع فتاة تلقي بنفسها في البحر، ثم تصرخ "أنقذوني" بعد أن غرقت، هو تعاطف في غير محلّه. نعم، هناك ضحايا حقيقيات، وهناك حالات مأساوية تستحق الدعم، لكننا نتحدث هنا عن فئة اختارت أن تكون فريسة، وغالباً بإرادتها، ومن تحت غطاء أسر مهترئة أو غائبة تماماً.

 

إن كنتَ تسمح لابنتك أو أختك أن تتنقل من دولة لأخرى بلا هدف ولا رقيب، ثم تأتي تشتكي من استغلالها، فاسمح لي أن أقول لك: لا أنت، ولا ابنتك، ولا أسرتك، تستحقون أي قدر من التعاطف.

 

قضايا الاتجار التي تُبنى على غياب الأسرة، وضمور الضمير، وانعدام الرقابة… هي ليست جرائم كاملة بحق الضحية، بل هي شراكة مأساوية بين ضحية تواطأت، وأسرة خانت الأمانة، ومجتمع صمت حين كان يجب أن يصرخ.

 

هذه القضايا لا تستحق الصراخ والتباكي بقدر ما تستحق المحاسبة، لأنها ليست فقط مأساة أخلاقية، بل فضيحة تربوية وقِيَمية تعرّي عمق الخلل في بعض البيوت والنفوس.

 

وسكّتنا الداوي... فإن لم نقُلها الآن، فمتى؟

أبرز ما جاء في لقاء معالي الدكتور شائع محسن الزنداني مع قناة سكاي...

لا تعليق!