مطيع .. القائد الفذ، والسياسي المحنك. 

د. أحمد عبيد بن دغر
الثلاثاء ، ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٣ الساعة ٠٥:٢٧ مساءً
مشاركة |

 

في ذكرى الاستقلال الوطني المجيد الثلاثين من نوفمبر، وفي كل مناسبة وطنية، يصبح واجبًا علينا اليوم إعادة قراءة تاريخ الثورة اليمنية جنوبها وشمالها مرة وأخرى. في ضوء ما تكشف عنه الوثائق والشواهد المرفوع عنها الحظر، أو التي أهملت في الوقفات التقييمية السابقة. كما نحتاج لمزيد من البحث حول هذا التاريخ، أحداثه، وشخوصه فإنه من الصعب علينا أن نصلح أحوالنا دون قراءة متأنية لتاريخنا، فهو يمدنا بالمعرفة، ويعطينا الخبرة، ويمنحنا العبرة والنصيحة. 

 

 

 

بين يدي كتاب وثائقي مهم عن شخصية فذة في تاريخ جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، هو المناضل الشهيد محمد صالح يافعي "مطيع" الذي شغل الكثيرين حاضرًا وغائبًا، والكتاب لمؤلف قدير هو الصديق العزيز لطفي فؤاد نعمان. جمع وثائقه بعناية، قرأها، ثم نقدها، وبعد ذلك قدم لنا جهدًا طيبًا يشكر عليه.

 

 

 

مطيع ليس سوى الإسم الحركي كعادةٍ درج عليها القادة الثوار ليتمكنوا من الحركة بقدر من السرية، وهي كنية لثائر خاض غمار العمل الوطني السياسي والعسكري الفدائي مبكرًا، شابًا يافعًا، شجاعًا وذكيًا وفطنا، القيادي مع قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. الذي كان رمزًا كبيرًا من رموزها، سياسيًا محنكًا، ودبلوماسيًا مجربًا،  ويمكننا أن نقول بإنصاف أنه أبرز وزراء خارجيتها، وركن يشار إليه بالبنان من أركان مكتبها السياسي الحاكم.

 

 

 

ودون أدنى شك كان مطيع أحد صناع الاستقلال الوطني وبناة اليمن الديمقراطي، وزيرًا للداخلية بعد أن تمكن اليسار من فرض إرادته على الدولة، ثم وزيرًا للخارجية، وقد اكتسب هذه المكانة في دولة الاستقلال من كونه فدائيًا وقائدًا ميدانيًا في جبهة عدن، ورئيسًا للمكتب العسكري للجبهة القومية الأكثر أهمية بين مناصب القيادة الثورية بعد منصب الأمين العام، والذي ترأسه ثلاثة زعماء آخرين من زعماء الجبهة والدولة، هم سالمين وفتاح والبيض إلى جانب محمد صالح مطيع.

 

 

 

دون المؤلف وقائع كثيرة بمهارة الباحث الجرب، وإلى حد ما بحيادية، اعتمادًا على ما أتيح له من مصادر، وأقول إلى حد ما، فنحن جميعًا نكتب وقناعاتنا ومستوى تفكيرنا وتجاربنا الشخصية لا بد تترك أثرًا قليلًا أو كثيرًا على مانكتب وندون، لكنني وقد قرأت معظم الكتاب أدركت أن الصديق المؤلف قد قام بجهد كبير يشكر عليه ليس فقط لتسجيل تاريخ مطيع وتمجيده، وهو حق لمطيع، بل أن كتابه كان عرضًا شيقًا، ممتعًا ومفيدًا، لجانب مهم من تاريخ اليمن الديمقراطية بكل جوانبه، وكان تأليفًا وتأريخًا مدعمًا بالوثائق للسياسة الخارجية للدولة، في علاقتها بشمال اليمن، أو علاقاتها العربية والأجنبية.

 

 

 

تمكن الكاتب من الجمع بين وصف الملكات الفذة لصاحب السيرة، وأعني به مطيع، والتي تجلت في قدراته المشهود لها في وزارتي الداخلية والخارجية، في وقت كانت الدولة الوليدة في أمس الحاجة لشخصيات نادرة، تجمع بين الكفاءة والاقتدار المهني، وبين الإيمان الصادق بالقيم والمبادئ والأهداف التي قاتلت من أجلها، في عهد مطيع شهدت الدبلوماسية اليمنية الجنوبية ازدهارًا أظنه لم يتكرر بعد ذلك في العهود اللاحقة.

 

 

 

أننا نقرأ اليوم خطابات مطيع وهو يتسلم رئاسة الدورة الستين لجامعة الدول العربية المنعقدة في سبتمبر ١٩٧٣م في القاهرة. وخطابه الآخر في الدورة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أبريل ١٩٧٤م. وخطاباته اللاحقة أمام وزراء الخارجية العرب في أزمة ١٩٧٩م فندرك أننا أمام شخصية نادرة. قال عنه بطرس غالي حينها أن خطابه كان مقنعًا إذا ما قورن بخطاب الأصنج وزير خارجية الشمال. 

 

 

 

كانت قضية الوحدة هي المحدد، لسياسة الشطرين تجاه بعضهما، وكانت كذلك في عهد كل رؤساء الجنوب دون استثناء، وكان مطيع صوتها المقنع دون تطرف، وكان قادة الجنوب أكثر إلحاحًا عليها أكثر من قادة الشمال. فاندفعوا نحوها لا يلوون على شيئ، أصابوا في اندفاعهم أم أخطأوا، يمكن لمنصف أن يقر لهم بالقدح المعلى في تحقيق الوحدة، باختصار كانت كلمات وخطابات وتصريحات ومقابلات مطيع تكثيفًا سياسيًا ودبلوماسيًا، ثوريًا ولكن عقلاني لتلك المرحلة

 

 

.

وكان ثوار وقادة الجبهة القومية ومطيع منهم وطنيون وقوميون وأمميون في تفكيرهم وسلوكهم، كانوا عصاميين، حاسبوا أنفسهم، وكفوا أيديهم، وأن مارسوا سياسات ننظر إليها اليوم بعين ناقدة، ظنوا بصدق أنها تخدم شعبهم، وتقيم مجتمعًا فاضلًا عادلًا، وكانو صادقين حتى في تناقضاتهم وصراعاتهم. كما كانوا نتاج مرحلة زمانية ومكانية لا يمكن لأحد أن يقيمها دون أن يلم ويدرك ظروفها وما حولها قبل الحكم على نتائجها.

 

 

 

رحم الله مطيع ورفاقه، الذين صنعوا مجد التحرير، والحرية، خاضوا حربًا مقدسة، ووحدوا ٢٣ إمارة ومشيخة وسلطنة، أقاموا دولة بعثوها مما يشبه العدم، لم تكن جغرافيا الجنوب اليمني المحتل قد عرفتها من قبل، حتى ندرك عظمة ما أحدثوا وما أنجزوا، لقد مهدوا الطريق لقيام الوحدة، فأن لم يكن لهم سوى هذا المنجز فذلك يكفيهم فخرًا.

أبرز ما جاء في لقاء معالي الدكتور شائع محسن الزنداني مع قناة سكاي...

لا تعليق!