حوارٌ عاصفٌ مع انتقاليٍ غاضب!

خالد الرويشان
الاربعاء ، ٠١ مارس ٢٠٢٣ الساعة ٠٣:٣١ صباحاً
مشاركة |

لا أحبّ الحوار الذي يُشبه صراع الدّيَكة أو الملاكمة في الحلبات , لأنّ الحياة أجمل من أن تكون مُجرّد مناقرةٍ أو مناكزة , وبالطبع فإنها أرقى من أن تنتهي بالضربة القاضية ,.. ولو بالكلام! وفي الفكر فإنه لا توجد ضربة قاضية , لأنّ التاريخ الإنساني متراكمٌ متداخل , والأرجح أن الفائز فيه يفوز بالنقاط!

لكنني ضحكتُ طويلا من نفسي هذا الأسبوع , وقد وجدتُني فجأةً في مواجهةٍ حواريّة مع صديقٍ قَدِم من الضالع زائراً وهي مواجهة من تلك المواجهات التي لا تدع لك مجالا إلاّ أن تقول الحقيقة مجرّدةً فاقعة وبلا ايّة رُتُوش أو ديبلوماسية ,.. وهذا ما حدث للأسف!

قال لي غاضباً: نريدُ فكّ الإرتباط!

وأضاف حانقاً : كل الزعماء الجنوبيين الذين صنعوا الوحدة مشرّدون منفيون خارج اليمن وتزعمون أنكم وحدويون! 

قلت له .. لماذا لا ترى الصورة كاملة .. إنّ الكل , وخلال خمسين سنة إمّا مقتولٌ أو مشرّد! صحيح أن علي عبدالله صالح شرّد علي سالم ,.. لكنّ علي سالم كان قد شرّد علي ناصر من قبل! وعلي ناصر نفسُهُ متهمٌ بقتل سالمين , وسالمين متهمٌ بقتل الغشمي , والغشمي متهمٌ بقتل الحمدي ,.. وحتى علي عبدالله صالح .. أين هو الآن ؟.. وهذه هي الدنيا وتقلباتها! وما فيش حَدْ أحسن من حَدْ في كلا الشطرين! وَقَبْل الجميع كان السّلال مشرّداً , وفيصل عبداللطيف الشعبي مقتولاً!.. والقاضي عبدالرحمن الإرياني مشرداً .. لماذا الغضب إذن! الزعماء يذهبون وتبقى الشعوب والأوطان ,.. فلا تأسف على أحد .. أنت كمواطن أهمّ منهم جميعاً! لأنك أساس شرعيّتهم , وليسوا أساس شرعيّتك.

قاطَعَني وهو يبحلق بعينيه متسائلاً:

 وحرب 94 واجتياح الجنوب! 

قلتُ له : اللعنةُ على تلك الحرب , وعلى مَنْ أشعلها , واللعنةُ على كل طلقةٍ أو صاروخ في تلك الكارثة .. لكنني أحبّ أن أذكّرك بأنّها لم تكن إلّا حَلَقَةً من حلقات الصراع , وجولةً من جولات الأنانيّة القاتلة ,.. وَقَبْلها كانت حروبٌ ودماء بين الشطرين, وفي داخل كل شطر على حِدَه! لا يوجد طرف سياسي في اليمن لم يَخُضْ حرباً أو يشترك في حرب خلال الخمسين سنة الماضية ضد خصومه!

كانت هناك الحرب الملكيّة ضدّ الجمهورية وقد دامت ست سنوات في الشمال! وكانت هناك الحرب بين الجبهة القوميّة وحزب التحرير في الجنوب إثْر الإستقلال , وبعدها حروب الشطرين , وحروب المناطق  الوسطى , وماهو أسوأ من الحرب في يناير 86 في عدن! ثم كانت جريمة حرب 94 , ولتنفجر بعدها بعشر سنوات الحرب المجنونة في صعدة في 2004! 

ثم جاءت كارثة الكوارث: حرب الحوثي وخيانة إسقاط الجمهورية ، تلى ذلك حرب التحالف الماكر في اليمن وعليه وما تزال! رغم كل ذلك سأقول لك أنّ سَرْدَ كلّ هذه الحروب لا يُبرّرُ حرب 94 , لكنّهُ يُذكّرُ بجذور القضايا وبذور شرّها .. ويُلفت نَظَرَ الشباب البريئ المتحمّس لأن يقرأ التاريخ والأحداث والأشخاص والجغرافيا , وليكتشف أننا ما نزال تاريخياً في القرن التاسع عشر في أحسن أحوالنا! فطبائع صراعاتنا , وأسباب حروبنا وطرائق تفكيرنا لا تمُتّ بصلة للعصر الذي فَتَحْنا أعيننا عليه قبل نصف قرن! 

قاطَعَني قائلا : تُحَدّثني وكأنّي لا أعرف العالم! ألمانيا توحّدت باتفاق الدولتين وليس بالحرب بينما فَرَضَتْ حرب 94 الوحدةَ بالقوة بين اليمنيين!

أجبته بهدوء : بِسْمارك هو من وحّد المانيا في القرن التاسع عشر وبالحرب! هل سَمِعْتَ به ؟! ولينكولن الأمريكي هو موحّد أمريكا في القرن التاسع عشر أيضاً وبالحرب! هل شَاَهَدْتَ الفيلم الذي أنتجته هوليود عنه مؤخّراً!.. ومعظم دول العالم التي تراها الآن وكما هي , تم توحيدُها ذات يوم بالحرب وبالحرب فقط! ولم يكن من منقذ لهذه الشعوب بعد تلك الحروب إلا المواطنة المتساوية , والإحتكام للقانون .. والفارق بيننا وبينهم أنهم حاربوا من أجل مبادئهم وتقدُّم شعوبهم وضد تمزيق أوطانهم .. أما  الزعماء اليمنيون فحاربوا من أجل كراسيهم! 

وفجأةً , وقف مُحاوري على قدميه قائلاً : هل هذا السّرد تبريرٌ لحرب 94؟

أجبته : حاشا لله .. أنت أخي ونور عيني ,.. ليذهب الزعماء وحروبهم إلى الجحيم! أنا فقط أحاول أن أشرح موقعنا في العالم وفي الزمن! أحاول أن أذكّر فقط , بأنّ الحروب والصراعات كانت دوماً موجودة ولم يكن ذلك في اليمن وحسب بل وفي كل الدول والشعوب منذ آلاف السنين! ولو أنّ كلَّ حربٍ أعقبها فكُّ ارتباط لما أصبح العالم كما هو عليه الآن! ولما بَقِيَتْ دولةٌ أو شعب.

قال لي وقد رَقّ قليلاً , وتهلّلَ وجهُهُ , ومدّ يَدَهُ مصافحاً : 

هل تعرف أنّ أبي من إب يا أستاذ خالد وأنا من الضالع! أمّا أمّي فإنها من تعز!

 نظرتُ إليه مندهشاً .. وانفجرتُ ضاحكاً!

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!