سجادة النار

د. مروان الغفوري
الأحد ، ١٤ أغسطس ٢٠٢٢ الساعة ٠٥:٠٨ صباحاً
مشاركة |

مؤخرا سحقت القوات الأوكرانية، بسلاح أميركي، أهم قاعدة جوية روسية في القرم. حولتها حرفيا إلى كومة رماد بأكثر من ١٠٠ صاروخ موجه بالأقمار الصناعية (الاصطناعية). معارك الشرق توقفت، يجاهد الروس لإخفاء تشكيلاتهم العسكرية. الصور الفضائية التي يحصل عليها الأوكرانيون، مع الصواريخ الموجهة، أدارت العجلة في الاتجاه الآخر.

العام ٢٠١٤: قوام الجيش الأوكراني ١٤ ألف مقاتل 

صيف ٢٠٢٢: مليون مقاتل، بحسب وزير الدفاع الأوكراني.

الشيء نفسه فعله الحوثيون:

لعب معهم السعوديون والإماراتيون لعبة خطرة أوصلتهم إلى العاصمة، معتقدين أن بإمكانهم البطش بتلك الجماعة دون كثير عناء.

 وبالفعل حاولوا البطش بالجماعة لإيقاف اللعبة عند حد معين. خرج وزير الخارجية السعودي قائلا: سيكون هناك عاصفة حزم على سوريا، استنوا شوية. آنذاك علقت الناطق باسم الخارجية الروسية: بتم أكيدين أنكم حسمتم مسألة اليمن؟

يمكنك أن تدمر العمران وحتى الجيوش بالسلاح، غير أن المعارك شيء آخر، الإرادة السياسية طويلة المدى لا تفرضها القنابل. هذا ما أثبته الحوثيون، وهذا ما لم يتعلموه. تلهث السعودية وراء الهدنة والسلام معهم، إذ أدركت أن الزمن يغير طبيعة المعارك، وأن مصادر السلاح لا يمكن حصرها، كما أن اختزال المواجهة إلى البارود يعطي الضعفاء (من ليس لديهم ما يخسرونه) الأفضلية مع الزمن.

 الحوثيون لم يتعلموا الشيء الذي لقنوه للسعوديين: أقلية صغيرة امتلكت السلاح، تزعم أنها ستخضع أمة كاملة طول الوقت. 

سيطرت إنجلترا على الهند بعشرة آلاف جندي، كانت تملك أفضلية البارود. مع الأيام انتشر البارود، والبارود هو البارود: أكان في قارورة أو في صاروخ فرط صوتي. الفوارق التقنية ليست معادلا موضوعيا للزمن. انقلبت المعركة فيما يخص الإير سوبريوريتي، أو التفوق الجوي، ورأينا الحوثيين يسيطرون على الأجواء، حدث كل ما اعتقد بن سلمان أنه احتكره. لكن الحوثيين حققوا ذلك النجاح بموازنة خيط جزمة، بخلاف مليارات بن سلمان. قذيفتكم أغلى من بيتي، قال عبده الجندي مخاطبا السعوديين. 

شاهدنا الورطة في الحرب الروسية: القذائف الذكية غالية الثمن وتتطلب وقتا في التصنيع وخطوط إمداد آمنة ومستقرة. أدركت السعودية المعضلة، لا هي قادرة على إرسال جيشها، ولا أن تطلق قذائف ذكية إلى مالانهاية، وستجني على نفسها إن عمدت إلى الخيار الروسي: سجادة النار (تعبير ألماني). 

الفاشية الإمامية تدعي أنها قادرة، في مواجهة اليمنيين، على تجاوز معضلة البارود على المدى الطويل. لا تسخر من الرفض، ولا الفقر، ولا الاحتقار. هذه المواد الثلاثة هي الطاقة الكامنة لكل جماعة بشرية، وهي ما يؤمن لها نتائج المعركة في المستقبل.

 إذا رأيت احتقارا في عيني جارك فاعلم أن حياتك فقدت الأمن.

 يقف شبيحة جهلة أمام علم اليمن ويطلقون عليه الرصاص، معززين بذباب تويتري. انظروا: سقطرى أعجوبة سياحية، وهذا سر ولع الإمارات بها. إذا قال المشاط الليلة إن الطائرات المسيرة ستحرس الجزيرة فإن اللعبة تنتهي عند هذا المستوى. هذا عالم متضارب، المظلم الخفي فيه أعمق من المظلم العلني.

 في ٢٠١٧ قال سليماني إن شعب إيران الحر لن تهدأ روحه حتى يقتلع الشجرة الوهابية من وكرها وفي بلادها. قلت سابقا وأكرر: إذا كان جنوب اليمن في دائرة الحلم الإيراني، داخل مجال قوتها وحيويتها، فستحصل عليه بإيميل إلى مكتب بن زائد: ارفع يدك عن منطقة نفوذنا وإلا.. قبل أعوام غيرت الإمارات خارطة حركتها الخارجية بعد انفجار السفينة السابعة. 

فرق بين أن تطالب باستقلال إقليم وأن تدوس على علم إقليم آخر، أن تبصق في وجه شعب كامل.  الأقيال جماعة ضد السلالة، ولكن الأقيال والسلالة جماعتان تحت نفس العلم (مجرد مثال، مع الفوارق الجوهرية داخل القصة). اليمن ليس الدنبوع، كما أنه ليس الدندول. والبهاليل التافهون من يقال لهم الإخوان ليسو القصة كلها. كتبت قبل أعوام عن "إعياء الحروب"، هذا ما قاله بن جابر لقادة الأحزاب ليلة دفن الجثة: تعبنا وعليكم أن تقدموا تنازلات مرة.

 الإمارات دولة تعاني من سرعة قذف، بعد أول مسيرة تعبر الحدود، قادمة من مجالات علي بن أبي طالب، فإنها توقف كل شيء، وتنكب حتى نفسها. البارود لم يعد وسيلة لفرض الإرادة، مثلما النووي لم يعد سلاحا متفوقا. امتلك الناس، كل الناس وفي كل مكان، السلاح وحسمت طالبان المعركة في أطول حرب خاضتها أميركا في تاريخها. 

الذين أطلقوا الرصاص على علم اليمن فعلوا ذلك بعد أن دحروا أبناء قريتهم. انتصرت قرية على أخرى داخل الحدود نفسها، هذا الشكل الزائف للنصر لا يعني سوى أن المعركة بدأت للتو. لنتذكر مركزية الثأر في ثقافتنا وخيالنا الأخلاقي. 

يوما ما سيدفن الانتقالي الدندول، وعلى كل حال فهو جثة أخف بكثير من الدنبوع. ليريهم خصيته إن كان رجلا (تعبير شعبي ألماني، عن القوة) لن يفعل، لا يملك. ثم سيدفن الانتقالي نفسه.

 أنتمي للناس الذين أحرق دمهم ما جرى للعلم ولفكرة الدولة في شبوة، وللناس الذين يتركون كل الكتب مفتوحة. 

تلاعب صالح بكل شيء ومات ميتة ذليلة، البارود والميري محايدان، ينتقلان من مترس إلى آخر ومن كتف إلى الثانية، ومن مغني إلى من يغني أفضل أو أقصر! ولا يمكنك أن تلعب الحيلة نفسها كل الوقت مع كل الناس. 

إياكم أن يهزمكم ما يجري.

وبما أن البلاد لم يتبق منها سوى الناس

فقد بقي منها كل شيء.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!