كورونا وسرعة انتشاره.. ما الذي على الناس فعله؟

د. مروان الغفوري
الأحد ، ٠٣ مايو ٢٠٢٠ الساعة ٠٢:٠٦ صباحاً
مشاركة |

"تُعلمنا الأرقامُ أن خطورة وباء كوفيد-19 لا تكمن في قدرته على الإماتة بل في سرعة انتشاره وعرقلته للنظام الصحي".

1. قال عمدة موسكو إن المسوح التي قامت بها السلطات الطبية (فحص الأجسام المضادة في الدم) كشفت عن معدل إصابة بفيروس كوف-سارس ٢(كورونا) يصل إلى ٢%. هذه النسبة تعادل ٢٥٠ ألف شخص، خمسة أضعاف الحالات المسجلة رسميا. موسكو هي أكثر المدن اكتظاظا في أوروبا، وقد تجاوزت وفيات كوفيد ١٩ فيها ال٦٠٠ حالة وفاة. هذا ما تقوله الأرقام: نسبة الوفاة الفعلية في موسكو ذات ال ١٣ مليون نسمة هي 0.02%.

على الفيروس أن يصيب خمسة آلاف شخص حتى يتمكن من قتل شخص واحد.

2. هونغ كونغ أيضا مدينة مكتظة، بل مختنقة بالسكان، حيث يسكن قرابة ٨ ملايين في حيز صغير على البحر. وهي واقعة بالقرب من مركز الوباء وقد سبق لها في ثمانينات القرن الماضي أن زودت العالم بفيروس هونغ كونغ القاتل. دخل وباء كوفيد ١٩ إلى هونغ كونغ، توغل داخل الجماعة البشرية هناك وقتل حتى الآن أربعة أشخاص!

3. يوجد في بومباي حي سكني قطره ٣ كيلومترا. داخل ذلك الحي يسكن قرابة ثمانمائة ألف بشر. يتقافز الفيروس في الهند منذ يناير الماضي، وبالرغم من دعوة الحكومة إلى الإغلاق الشامل إلا أن الاستجابة كانت محدودة، فليس لمئات الملايين من مأوى فردي. قتل الفيروس حتى الآن قرابة ١٢٠٠ شخص داخل بحيرة بشرية من مليار وبضع مئات من الملايين. تقتصد الهند في إجراء الفحوصات ولا تجهد نفسها بالبحث عن الحالات الشبحية. تردد السلطات مقولة ألمانية شهيرة: الأشياء التي لا أعرفها لا تثير قلقي. نسبة الهنود تحت ٥٠ عاما تبلغ ٨٠%. من المفترض أن تكون هذه النسبة، وهي أغلب الشعب، قادرة على مواجهة المرض. يشكك سريدهار وفيرنانديس في فورن بوليسي في هذه الفرضية، غير أن البيات القادمة من الهند تساندها.

4. سأحدثكم عن البلد الذي أعرفه حق المعرفة، ألمانيا. لنلعب هذه اللعبة الرقمية المثيرة:

مدينة دورتموند هي ثالث أكبر مدن الغرب الألماني، وهي متنوعة ومكتظة وبها أحد أشهر أندية العالم وثاني أكبر ملعب في أوروبا، أي كل الأسباب التي تؤهلها لأن تكون مدينة موبوءة. حتى الآن أصيب (حسب السجل الرسمي) ٦٩٢ شخص بمرض كوفيد ١٩ (كورونا). دخل منهم ٢٣ شخص (٣%) المشافي، ووضع منهم ١١ شخص (١,٥%) على التنفس الاصطناعي. مات أربعة أشخاص (0.5%).في دورتموند كان على الفيروس أن يصيب مائتي شخص حتى يتمكن من قتل شخص واحد.

لو أن دورتموند رفضت إجراء أي فحص سوى للحالات "المرضية" التي عليها أن تحجز في المستشفى فإن عدد الإصابات كانت ستكون ٢٣ حالة فقط. إذا تذكرنا أن ٤ مرضى فارقوا الحياة فإن معدل وفيات هذا المرض ستصبح ٢٠%. أي أن على الفيروس أن يصيب خمسة أشخاص حتى يتمكن من قتل واحد. لكن ولأن الحالات هي ٦٩٢ والوفيات ٤ فنحن أمام معدل وفيات يعادل 0,5%. على أن هذه النسبة ليست هي الحقيقة الكاملة. البيانات التي تزودنا بها المسوح المتنوعة تقول إن بين ٢ إلى ٤ من السكان في المدن الموبوءة قد أصيبو بالفعل. في حالة دورتموند ستعادل هذه النسبة ١٨ ألف حالة إصابة، وليس ٦٧٢! حسنا لنعد إلى وفيات هذا الوباء في دورتموند، قلنا إنها أربعة، أو 0,5%. في الواقع ستعوم هذه النسبة داخل مقام عملاق مقداره ١٨ ألف وستصبح 0,02%.

5. تعلمنا الأرقام أن خطورة وباء كوفيد ١٩ لا تكمن في قدرته على الإماتة بل في سرعة انتشاره وعرقلته للنظام الصحي. في الواقع هو وباء متوسط الضراوة. سرعة انتشاره، وتوغله داخل المجتمعات المكتظة تمكنه من إحداث أضرار بالغة بالمنظومة الطبية.

تعالوا نتذكر إيبولا، هذا المشهد تحديدا:

أصيب مواطن ألماني بالفيروس ونقل إلى مستشفى في مدينة لايبتسيغ في شرق ألمانيا. وباء جديد، لا نعرف عنه الشيء الكثير، تصل وفياته إلى ٤٠%، لا بد من احتوائه داخل جسد المريض وعدم السماح له بالانتقال إلى شخص ثان. إجمالي خسارة المستشفى، لعلاج مريض واحد، بلغت ستة ملايين يورو. لقد أعدم المستشفى كل الأشياء والأجهزة التي اتصل بها المريض.

6... لا يزال الغموض محيطا بالوباء، تحديدا فيما يخص المناعة التي يشكلها الجسم: مؤقتة أم طويلة المدى؟ وهل تقي من الإصابة مرة أخرى؟ الأرقام تحمل جزء من الحقيقة، البيولوجيا لا تحيط بالمعرفة كلها، الفيروس نفسه متردد بين الهامش والمركز، بين الفتك بالبشر والتصالح معهم. في النهاية، كما تتوقع أطروحات كثيرة، سينتهي به المطاف وقد أصبح فيروسا متوطنا وواهنا مثل باقي فيروسات الجهاز التنفسي.

7. في الدول الفقيرة لا يمكن للناس أن ينعزلوا عن الناس. الغالبية العظمى تعيش على الأجر اليومي. النظام الاجتماعي كلاسيكي ولا يمكنه الاستجابة لمثل هكذا تحديات، المساكن متعددة الأجيال.

ما الذي على الناس فعله؟

مواصلة الحياة بمسافات، ارتداء الكمامات، والنظافة الشخصية. عليهم أن يعرفوا أن الفيروس لن يقتلهم، ولكنه قد يقوض النظام الصحي ويجعلهم عرضة لمخاطر جمة ليست على صلة مباشرة بالوباء. في انغلترا ودول أخرى يجري النظر إلى الوفاة التس تحدث في زمن كورونا، حتى غير المرتبطة به، باعتبارها ناتجة عنه.

سلامات و محبة

م.غ.  

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!