ما تخوفنا منه في البداية يبدو في طريقه إلى التحقق بدرجة ما

د. مروان الغفوري
السبت ، ٠٢ مايو ٢٠٢٠ الساعة ١٢:١٠ صباحاً
مشاركة |

أن يتمكن الهلع من الأطباء فيتركوا أماكنهم. بالأمس شاهدنا تسجيلات مصورة من داخل مستشفيين في عدن وقد هجرهما كل الطاقم. المنظومة الصحية بلا سند، إذ هي محاطة بتنظيمات فاشية مسلحة (الحوثيون والانتقاليون) تملك سلطة بلا مشروعية، وتمارس الهيمنة بلا مسؤولية. سيلزم الجميع منازلهم ويطالب الطبيب بالخروج إلى الجبهة، إلى الحركة داخل منظومات عصابية تحتكر الحقيقة وتخفيها عنه، أن يعرض نفسه للفخاخ والمصائد مفتقرا لأبسط وسائل الحماية الذاتية: المعلومة. المعلومة هنا حاسمة، إخفاؤها يفسح المجال للهلع، والهلع والغموض سيدفعان الطبيب للهرب وترك المكان. لن يقاتل الأطباء في معركة يجهلون كل شيء عنها، ويفتقرون لآليات الحماية الذاتية، فضلا عن جهلهم الشامل بحجم المشكلة التي يطلب منهم أن يساهموا في احتوائها.

قلت لأحد الاستشاريين: إذا انهار النظام الطبي وكان لا بد يعيش شخص واحد فليكن الطبيب. قال إن ذلك ما كان يفكر به أيضا. الليلة حدثني استشاري آخر من اليمن شمالا. إليكم ما قاله، وهو استشاري مرموق في تخصصه، دون تدخل مني بعد حذف الجزء الخاص بي في النقاش:

"الأمر مرعب والله بكل ماتعني الكلمة.. والناس غلابا مش عارفين حاجة والحكومتين ولا همهم... يا مروان لايوجد ادنى وسائل الوقاية من الكمامات الى الألبسة الخاصة... لا تلوموا القطاع الصحي اذا اعتزل وهرب البيت .. لا نملك كمامة وغطاء راس ناهيك عن الألبسة الخاصة.

نعم لا تلموا احد من الاطباء اذا جلس في البيت. هل تعلم يا عزيزي ان من يتكلم بان هناك حالات اشتباه فقط مش تاكيد الاطقم الامنية تخفيك من الوجود... للاسف.. والسجن اقرب بوابة للخروج مش البيت... ماتم عمله من مراكز ايواء او حجز كما يسموها لا ترقى ان تأوي قطط."

في هذا الوباء تركت كل دولة لتغرق وحيدة، وتخلى الشخص عن الشخص. ليست مبالغة إذا قلنا إنه مشهد قيامي، نفسي نفسي. تذكروا اليمنيين الذين طالبوا بقتل المصاب في الشحر. الأنانية، الجهل، والهلع، كل ذلك يحول الأفراد إلى مجرمين والدول إلى قراصنة. تذكروا إيطاليا الوحيدة. العدو الأول لك هو "الإنكار"، ثم الوباء.

تعرفون جميعكم ما الذي عليكم فعله، يتعلق الأمر بالحياة والموت في أوقات كثيرة. وفوق هذا يتعلق بالأمن الاجتماعي وبسلامة النظام الصحي وقدرته على الصمود.

من خبرتي الشخصية فإن شكل الحياة داخل المشافي يتغير بشكل راديكالي، ويحل الوسواس محل المعرفة وتصبح مهنة الطبيب مهنة خطرة. تخيل نفسك، كطبيب، وأنت عائد إلى منزلك مع احتمال أن تكون قد عدت بالشيطان في ثيابك لتضعه في رئة أطفالك. هذا هو شعوري اليومي خلال الشهرين الماضيين. لا توجد متعة ولا رومانسية في هذه الأجواء.

تخيلوا، وأجيبوا:

بماذا يفكر الطبيب في اليمن وهو عار من كل شيء، من وسائل الحماية، من المعلومة، من الإحساس بوجود الدولة، ومن الغطاء الطبي فيما لو سقط ضحية للوباء؟

بالهرب، بالانعزال في البيت، بالخلاص الفردي؟..

ربما..

إذن فتلك الأشياء الهشة ستتداعى خلال وقت قصير.

سلامات ...

م. غ.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!