لحظة انكشاف شاملة للإمبراطورية المجوفة!

د. مروان الغفوري
الخميس ، ١٠ مارس ٢٠٢٢ الساعة ٠١:٤٠ صباحاً
مشاركة |

الرتل العسكري العملاق في الطريق إلى كييڤ لم يغادر مكانه منذ أسبوع. عربات متكدسة الواحدة خلف الأخرى على امتداد أربعين ميلا. 

هناك أسباب لوجيستية خلف ذلك التكدس وأيضا، كما نعرف، قلق من أن تقع العربات فريسة للطيران المسير. وهي متكدسة بذلك الشكل تعمل المروحيات الروسية جيئة وذهابا على حمايتها. واحدة من لحظات انكشاف القوة عجز روسيا عن فرض إرادتها على كل الأجواء.

يتحدث العالم الآن عن لحظة انكشاف شاملة للإمبراطورية المجوفة التي بدأت تناقش، على مستوياتها الأعلى، إمكانية استعمال أسلحة نووية صغيرة لبث الرعب ودفع أوكرانيا إلى الاستسلام. بالطريقة التي تمناها بوتين فإن الأمور لا تمشي على ما يرام، ثمة وهم، تجويف، وفراغ داخل الطبل الروسي العملاق. سأضرب لكم مثالا: تستثمر ألمانيا ٥٠ مليار يورو في قواتها المسلحة في العام، وتستثمر روسيا ٦٠ مليار دولار. الفارق بين الدولتين بسيط رقميا، ولكنه لصالح ألمانيا إذا ما علمنا أن روسيا ينخرها الفساد، وأن جزء ضخما من ذلك الاستثمار يذهب إلى صيانة وإصلاح البنية التحتية في أرض مساحتها ١٧ ضعف مساحة مصر. ومع ذلك تقول ألمانيا، الواضحة والمتواضعة، إن ٥٠ مليارا لا تكفي لبناء جيش بمقاييس دولة عظمى، وأنها ستتجاوز المائة مليار بدء من هذا العام (أي ستنفق ضعف إنفاق روسيا). روسيا تنسب لنفسها تلك المكانة وتواصل الإدعاء بكونها قوة كونية. لم تنكشف فقط على مستوى عجزها عن تزويد قطاعاتها البعيدة بالوقود والذخيرة، ما جعلنا نشاهد حراثات أوكرانية تجر دبابات روسية، وموتورات تسحب مدافع. أبعد من ذلك، فلم تستطع أن تواصل غاراتها بالأسلحة الموجهة فليس لديها الكثير منها (غالية الثمن، تخيلوا ما أنفقته السعودية عليها في حرب السبعة أعوام). وبينما بقول المتحدث باسم البنتاغون: نراقب ومضات الصواريخ التي تطلقها روسيا، نقول روسيا: فقدنا الاتصال بقطاعات عسكرية كاملة! ما شاهدناه ليس جيشا بمقاييس دولة عظمى، ورأينا حاكما يعاقب بالسجن عشرة أعوام (قانون جديد) أي صحفي من شعبه سيصف ما يجري بأنها حرب. حتى بمقاييس جمهوريات الموز بدت روسيا أصغر. 

هذا سر مفتوح، كما هو التعبير الألماني، لذا دعونا نتحدث في الموضوع الأكثر إثارة!

في الأيام القادمة ستنخفض الحرارة في شرق أوروبا إلى عشرين تحت الصفر، وسيكون أمام الجنود الرابضين في عرباتهم داخل ذلك الرتل أن يشغلوا محركاتها، أن يستهلكوا الطاقة التي يعانون من شحتها. في أوكرانيا، وربما في المكان نفسه، واجه جيش هتلر المشكلة نفسها: الحرب في أجواء قطبية متجمدة. يتوقع خصوم بوتين، كما تقول الصحف البريطانية هذا الصباح، أن يتعرض الجيش الروسي في "الرتل" إلى مأساة، وأن احتمالات تجمدهم أو تسليم أنفسهم عالية جدا. 

على أن مخاطر أن يتدحرج هذا الغزو الفاشل إلى فوضى أبوكاليبسية لا تزال عالية للغاية. فليس في حسابات بوتين خسارتها، ولا في مقدوره كسبها (دشن غزوا على ملفات ضخمة من المعلومات الخاطئة التي رفعت له، أو على حسابات متعالية أهملت عناصر في غاية الخطورة). كما أن ليس في وسع أوروبا أن تجعله يفرض إرادته  ويتصرف كمنتصر سكران. 

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!