احتمالات فيينا

د. مروان الغفوري
الأحد ، ٠٥ ديسمبر ٢٠٢١ الساعة ٠٣:٠٧ صباحاً
مشاركة |

الشبكة الإرهابية التي أسستها / دعمتها إيران ستذهب إلى التفكيك فيما لو انهار المركز. التاريخ يقدم لنا نماذج متنوعة: التشكيلات الاستعمارية الوحشية التي سرعان ما أطلقت النار على رأسها بمجرد أن أصيب الماطور بعطل قاتل. النظام الإيراني يخوض مقامرة دولية أكبر من قدراته، يحيط نفسه بالأعداء من أذربيجان، على حدوده الشمالية، وحتى جبال المحويت. في الأيام الماضية أعلن عن مناورة عسكرية هي الأكبر في تاريخه، على حدود أذربيجان. تحظى أذربيجان [وهي دولة ذات أغلبية شيعية] برعاية إسرائيلية خاصة، وربما تمثل واحدة من نقاط انطلاق هجوم إسرائيلي محتمل على مشروع إيران النووي. أذربيجان الملتهبة، هناك حيث يغني القوميون ليل نهار: لا بد من استعادة إذربيجان الجنوبية [مناطق أذرية واسعة في إيران تشكل حوالي ربع سكان البلاد]. يقف الأتراك والإسرائيليون خلف الأذريين في صراعهم الساخن مع إيران، بينما تطيش عينا الأخيرة في عشرات من الأراضي المشتعلة، وتجلس فوق شعب متعدد، غاضب، وجائع. يبدو العملاق الإيراني، الذي تشكل الصواريخ عموده الفقري وجهازه التنفسي، خاوياً من الداخل. لم تحل الصواريخ دون انهيار يوغسلافيا، شرق ألمانيا، الاتحاد السوفيتي، ولا حتى فنزويلا.  

أجرت إسرائيل مراناً على أرض سوريا المفتوحة، ضربت إيران بقنبلة وحيدة في العام 2013. لمّا لم تتلق رداً أعادت الضربة، وقال الإيرانيون إن المجاهدين العرب سيردون على العدوان. المجاهدون الإيرانيون لن يردوا، بالطبع. في الأعوام الثلاثة الماضية نفذت إسرائيل حرباً من طرف واحد ضد إيران. با تت أكيدة أن آية الله سيجز أسنانه، وفي أفضل حالاته فسيطلق طائرة مفخخة إلى خميس مشيط. في كل مرة، أو في الأغلب، سحق الطيران الإسرائيلي سرباً أو تحصيناً إيرانياً يطلق الحوثيون مسيرتين أو ثلاثة على جنوب السعودية. لا تبدو إيران قادرة على أكثر من هذا راهناً. 

أذكركم بما ذكرته في مقالة سابقة:

في الأعوام الثلاثة الماضية، بين 2018 و 2021، هاجمت إسرائيل 955 هدفاً إيرانياً في سوريا، استخدمت في تلك الضربات حوالي 4239 صاروخا، قنبلة، قذيفة .. اشترك في تلك "الحرب" حوالي 70%  من الطيارين الإسرائيلين، كما دخلت المقاتلات الأكثر تطوراً "F- 35  " مسرح العمليات. 

حرب كاملة من طرف واحد، وقفت خلالها إيران متفرجة، تجز على أسنانها. تعلمت إسرائيل من حربها الشرسة على إيران أن الأخيرة لا تجسر على المواجهة، وأن ثمانية أعوام من الصمت المطبق أمام القذائف الإسرائيلية لا يمكن أن يتغير فجأة، أن يكشف آية الله عن أسنان النمر.

مؤخراً قدمت إسرائيل للإدارة الأميركية معلومات تفصيلية عن مستوى تخصيب اليورانيوم الذي وصلت إليه إيران. كما تتحدث صحف إسرائيلية وأميركية عديدة فإن إيران باتت على بعد عام أو أكثر قليلاً من حلمها النووي. يمكن فهم الغرور الإيراني، أو المقامرة الإيرانية بتعبير فايننشال تايمز، في ظل ما تقول إسرائيل إنها معلومات تفصيلية. قبل أن تذهب إلى فيننا سربت إيران، ذاتها، معلومات عن قدراتها النووية الراهنة، وعن التسارع الذي أنجزته خلال خمسة أعوام منذ جمد ترامب الاتفاق معها. وعلى طاولة المفاوضات قدمت مطالب تعجيزية: رفع شامل لكل أنواع الحظر، لا نقاش في مسألة الصواريخ الباليستية والشبكة الشيعية المسلحة خارج حدودها، وأن يوقع الأميركيون اتفاقاً [لا يستطيع أي رئيس أميركي قادم أن ينقضه]. قالت الإدارة الأميركية بالأمس أنها ستنظر في خياراتها الأخرى، وقال مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي إنهم يعدون العدة ل"إلقاء إيران بعيداً خارج العتبة النووية". 

في مقامرة فيينا تقول إيران للمتفاوضين: إما هذه الشروط، أو أننا سنطلق يدنا في التخصيب حتى منتهاه. يحوم الإسرائيليون حول طاولة فيينا، يتحدثون إلى الطرف الأوروبي ـ الروسي، يقدمون البيانات والمنحنيات. بالنسبة للإسرائيلين فهم يواجهون تحدياً وجودياً، فالدولة التي ترعى شبكة إلهية من الإرهاب [عملت على تهجير تسعة مليون مواطن سوري، وستة مليون مواطن يمني، وأحالت العراق إلى مستنقع] لا يمكن أن تمنح أسلحة الفناء الشامل. أمام العالم استخدم الطيارون الإيرانيون قذائف كيماوية ضد سكان المدن السورية، وجلعوا النظام السوري يتجرع الجريمة. لم يشاهد العالم جرائم إبادة على ذلك النحو منذ الحرب الثانية، باستثناء ما فعله صدام بالأكراد. كان ذلك درساً مبسّطاً يشرح لنا المدى الذي يمكن أن تذهب إليه إيران من أجل فرض إرادتها السماوية. 

ثمة احتمال عال بأن يبادر الجيشان، الإسرائيلي والأميركي، إلى تدمير البنية التحتية النووية في إيران. يجلس آياتُ الله على بلد مؤلف من خمسة وعشرين شعباً. فالأذريون الإيرانيون [يتحدثون لغتهم الخاصة] يشكلون قرابة ربع السكان، ثمة العرب، التركمان، البلوش، الكرد، اللور، وشعوب صغيرة أخرى تبلغ في مجملها خمسة وعشرين "شعباً"، بما تحمله الكلمة من عناصر الهوية كلها: من الدين إلى اللغة، ومن الشعر إلى طقوس الجنازات. 

شعوب عديدة وقعت ضحية للشبكة الإرهابية التي صنعتها إيران، ستحتفي تلك الشعوب بضربة مميتة تطلق على إيران. ومن غير المستبعد أن يخرج باعة الدجاج في شارع الحُب في "إب" ليشنقوا المشرفين الحوثيين، فيما لو نقلت الجزيرة صورة لبوشهر وهي يغرق في مياه الخليج. كانت داعش، النسخة السنية من إيران، تحكم بلاداً بحجم انكلترا، وكانت شبكتها قادرة على الضرب من البرازيل إلى أندنوسيا. انهزمت داعش في المركز، في دابق، فخمدت نيران مستعمراتها وتشكيلاتها في كل الدنيا. تعيش شعوب عديدة على ذلك الأمل، أن يأتي جبّار أعمى فيضرب الأفعى في عشها، كي تفر الثعابين البعيدة إلى جحورها. 

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!