طالبان وضرورة “احياء الفوضى الخلاقة” !

بينة الملحم
الأحد ، ٢٢ أغسطس ٢٠٢١ الساعة ١٠:٥٦ مساءً
مشاركة |

من أكثر المشاهد التي تصدرت الأخبار والمنصات عالمياً مشهد الطائرة الأميركية المغادرة للأراضي الأفغانية كمثال صارخ وحي لخرافة مطالبات منظمات حقوق الإنسان وازدواجية معاييرها ومطالبها فالمشهد لم يتطلب أكثر من بضعة دقائق هي المدة الزمنية لتصوير أكثر مشهد مروع كارثي وحقيقي ضمن سلسلة أفلام (الفوضى الخلاقة) والتي استغرقت عشرين عاماً ليختم لنا (المخرج) وأخيراً مسلسه بهذا المشهد بدعوى الديمقراطية والقضاء على الإرهاب!

كان برحيل القيادي الأفغاني برهان الدين رباني قد تخلصت طالبان من عقبة طالما كانت كأداء في طريقها، فمنذ أن خرج من كابل في 26 سبتمبر 1996 وهو من أبرز المناوئين لحركة طالبان من خلال تحالف المعارضة الشمالي وعلى الرغم من شراكته مع آخرين من المقاتلين الأفغان للانتصار على الاتحاد السوفييتي غير أن أسباباً عرقية جعلت من حكمتيار "البشتوني" يحاول زحزحة برهان الدين رباني ذي الأصول "الطاجكية". لهذا بقي تحالف رباني مع أحمد شاه مسعود متيناً وهما يشتركان بأصول طاجيكية، إلى أن اغتالت طالبان كلا الزعيمين. وتشير أنباء الاغتيال الأساسية أن التفجير لرباني حدث بينما يستضيف شخصيتين من حركة طالبان، وهو الذي صرّح كما في حوار مع قناة "العربية" ضمن برنامج "مقابلة خاصة" بأن أفراداً من طالبان - ربما لا يمثلون رأي كل طالبان - يتصلون به لغرض البدء في مجلس السلام الذي يرأسه رباني.

لم يعد الانفلات الأفغاني واستنزافه للقوى الدولية مقبولاً لدى العالم، وربما لذلك حاولت الولايات المتحدة سابقاً مع حلفائها إنهاء قصة أفغانستان والخلاص منها، والبدء للمصالحة بين الأفغانيين أنفسهم، وربما لهذا أعطيت طالبان تطمينات من قبل أمريكا وغيرها من أجل تحصينها ضد الشكوك بأن شيئاً من المغانم لن تحضى بها، لقد كتبت صحيفة "التايمز" في 12 سبتمبر 2011 أن الولايات المتحدة صادقت على خطط تسمح لحركة طالبان الأفغانية بافتتاح مقر سياسي لها قبل نهاية العام الحالي في قطر! وهذا التحرك يمثل خطوة حاسمة على طريق المصالحة مع مرور الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في واشنطن ونيويورك، والخطوة جرى ابتكارها لتمكين الغرب من بدء محادثات سلام رسمية مع طالبان بأمل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب الدائرة في أفغانستان منذ 10 سنوات.

وفي وقت مضى كان يرى البعض في مسألة افتتاح سفارة "إمارة أفغانستان الإسلامية" في قطر أنه على أمل أن تساعد في تسهيل محادثات سلام ويمكن أن تؤدي إلى هدنة مع طالبان، بعد أن حظيت على دعم زعيم الحركة الملا عمر"! بعد هذا الخبر بثمانية أيام تم اغتيال برهان الدين رباني، لتعلن طالبان للعالم وبقوة أنها لن تخضع للحوار إلا بعد أن تنسحب كل "القوات الأجنبية" الموجودة في أفغانستان.

من نافلة القول التذكير بأن طالبان حركة دموية، ومتحالفة عضوياً ومعنوياً مع تنظيم القاعدة، وهي التي آوت أسامة بن لادن، وتشارك معها في قتال التحالف الشمالي الأفغاني، وكانت طالبان حامية أساسية للإرهاب، حتى وإن ادعى عبدالسلام ضعيف وزير خارجية طالبان سابقاً أنه تحاور مع كوفي عنان لتسليم ابن لادن، فإن أياً من حوارات طالبان لم ثتمر عن نجاحات. من إضاعة الوقت الحديث عن طالبان مبدئياً لأن هذا يعني الاعتراف بالمعنى الذي تقدمه طالبان للعالم وهو الإرهاب، والدعم للقاعدة، والصمت عن القتل والاستهداف للأفغانيين أولاً قبل استهداف القوات الأجنبية، وفشل هذه المبادرة له سبب جوهري، وسبب شكلي.

السبب الجوهري أن الحوار بين قوى دولية وبين عصابات أو منح أي حركة فرص التحرك الدبلوماسي من خلال فتح سفارة هنا أو هناك يعني أن الخلاف يمكن تلافيه بالحوار، مع أن الحوار مع حامل السلاح لا يكون إلا بعد أن يخضع للأساليب المدنية في إدارة السياسة والحياة، أما السبب الشكلي فهو اختيار برهان الدين رباني ليكون رئيس مجلس السلام، وهو الطرف المعادي لطالبان حينها ستكون الحركة غير مطمئنة لوجوده ضمن المجلس فضلاً عن ترؤسه له، إلا في حال كان طرفاً لا حكماً بين المتخاصمين، لأنه كان هو خصم أيضاً لطالبان ويمكنه أن يشارك بالحوار بصفته متنازعاً لا حكماً بين المتخاصمين.

إن الغليان الجاري في أفغانستان حالياً لا يعبر إلا عن حراك غربي كثيف للخلاص من هذا العبء، بقيت أفغانستان مصدر استنزاف للولايات المتحدة، وهي تريد الخلاص منها بعد أن شعرت أن تنظيم القاعدة بات مقدوراً عليه من خلال ضبط محاصرته من خلال الاستخبارات الباكستانية وغيرها، وبعد أن صارت أفغانستان متشابكة خطوط حروبها البينية، وربما قادهم اليأس إلى إغراء طالبان بقرارات وتطمينات إن صحّت واكتملت فستكون خطأً كبيراً لأن طالبان ليست أهلاً للحوار فضلاً عن الحكم لأنها ليست حركة سياسية وإنما جماعة أصولية ارهابية دموية تستخدم أصوليتها للوصول إلى السياسة لقهر المجتمع وإبادة روحه.

من الواضح أن أفغانستان تعود إلى المشهد باستمرار، وأن طالبان تفرض شروطاً تعجيزية لا يمكن للغرب تلبيتها لأنه إن استجاب فإن الحرب التي خاضها على مدى عشرين عاماً لن تكون سوى حرباً شكلية لم تحقق هدفها الرئيسي وهو إجهاض طالبان من أساسها والبدء في إعمار أفغانستان والدخول إلى بوابة الزمن المعاصر بدلاً من الغرق في غياهب التاريخ!

هناك قاعدة في السياسة تقول اللا تصالح قد يحرس المصالح؛ فطالبان التي آوت أسامة بن لادن عدو أمريكا الأول هي ذاتها التي سمحت لطالبان بمقرٍ لها في ‫قطر في٢٠١١م وهي نفسها أمريكا التي صرفت المليارات من أجل القضاء على طالبان منذ عشرين عاماً وتترك أفغانستان لطالبان وتسلمها الحكم طواعية في٢٠٢١م!

*نقلًا عن “العربية نت”.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!