عشرة نقاط من تجربة افغانستان تهم (الجيش) في اليمن

مصطفى ناجي
الاربعاء ، ١٨ أغسطس ٢٠٢١ الساعة ٠٣:١١ صباحاً
مشاركة |

اريد في هذا المنشور تناول حدث أفغانستان الأخير المتمثل بسيطرة حركة طالبان على مقاليد البلاد وسقوط مريع للحكومة الأفغانية التي عاشت تحت كنف وحماية أمريكية والتي كلف بناء جيشها مليارات الدولارات تقارب الثمانين ولكنها ذابت في لحظة.

واقصد بالتناول استخلاص جملة أفكار يمكن عكسها على الوضع اليمني. وعلى القوات التي يعنى بها استعادة الدولة ومواجهة مشروع الجماعة الحوثية. 

وحقيقة، لا أجد رغبة في تناول الشأن السياسي مما حدث ولا توجيه كلامي "لساسة" اليمن ولكن كون ما حدث في أفغانستان على الأرض هو نتيجة عمل عسكري في بدايته فإن أهم الخلاصات برأي ينبغي أن تكون عسكرية أيضا لتلحق بها الرؤى السياسية. 

لعل أهم سؤال يدور في أذهان الناس هو لماذا انهار جيش الحكومة بهذه السرعة. وطريقة الانهيار تبعث على الخوف في نفوس كثيرين في البلدان الهشة التي فيها حركات تمرد راديكالية أو متطرفة. 

وهل يكفي تعليل وجود الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة أو الافتقار لحامل شعبي او لعنوان وطني حتى تذوب الدولة كالآيسكريم تحت شمس النهار. 

إن الفساد كلمة شاملة تنضوي تحتها مفردات عديدة منها غياب العدالة وعدم تفعيل القانون واللوائح والركون إلى الولاء على حساب الكفاءة. وآفة الفساد أنه يزدهر أكثر في بناء شكلي ضخم انيق متغطرس. وانه يجد في الكماليات حافزاً كبيراً للانتعاش على حساب الأولي والرئيس والأهم.

هذه البيئة تجعل المؤسسات الأمنية والعسكرية: 

أولا، في قطيعة مع المجتمع من حيث همومه ومشاكله وخطابه.

ثانيا، متعالية عليه تزدريه بمظهرها واناقتها في بلد فقير لا يرى في القيافة سلطة إنما غرور وهو يمقت الغرور في اعماقه. 

ثالثا، غياب المحاسبة يسمح للوحدات الأمنية والعسكرية بممارسة تعسفات وتجاوزات وانتهاكات لتغدو هي العدو الأول للمجتمع ويبحث عن مغيث كيفما كان شلكه ولونه ونهجه. تتغير وظيفتها كلياً بالتالي تفقد شرعيتها تدريجيا ولا تكتشف ذلك إلا يوم الإغارة عليها.   

رابعا، أنها بلا قضية سوى التباهي، وتسور نفسها بأسوار منيعة تقلص المخاطر الى حوادث عرضية بسيطة ومتناثرة لكن تراكمها خطير ويفت في عضد عزيمة المقاتلين ويجعلهم غير قادرين على الخوض في روح المعركة المنتظرة. 

في الحالة الأفغانية، علاوة على ذلك: 

خامساً: تعايشت القوات الأمنية والعسكرية مع قوات خارجية في البلاد وكانت هذه فاعلة ميدانياً على احتكاك بالمواطن في بلاد يبدى الناس حساسية كبيرة من الحضور الأجنبي وعزتهم التاريخية امتلكوها من مقارعة المحتل. 

في حالة اليمن، يجب ان يتضح الخيط الأسود من الأبيض في غرفة العمليات المشتركة وتتحمل القوات اليمنية (بكل تنويعاتها؛ انتقالي، شرعية، قوات طارق) مسؤولية ما يحدث وتبادر في وضع حد للغموض العملياتي لتخلي مسؤوليتها تجاه أنصارها وتجاه الوطن من حماقات وتهور واندفاع وانتقام أجنبي. 

يجب على الشرعية إعادة تأطير الحضور العسكري الأجنبي في اليمن، لا أظنها قادرة على رفضه ولا ادعو الى ذلك ولكن ادعو الى تأطيره قانونياً يما يحول وخلق عداوات مستقبلية مع المتدخلين في البلاد.   

سادساً: القوات الأجنبية لم تكن لإحقاق حق انما لإظهار قوتها وتطورها التقني على حساب أناس فرحة اطفالهم في امتلاك حذاء بلاستيكي جديد في العيد وليس نواظير متقدمة ولا خوذات بعشرات الاف الدولارات. وعندما تتعرض هذه القوة للدغات فإنها تنتقم بلا قياس وترتكب ما ارتكبت باسم السلطات المحلية.

سابعا: ظلت البيئة المحلية بيئة معادية للقوات المحلية الهزيلة الفاسدة ولكن وتحديدا للقوات الأجنبية عداء مصدره اولاً ان هذه القوات تحت الخوف والذعر تفتك بالناس بحق وغير حق. قصفت الاعراس، والمستشفيات، والمناطق المدنية الامنة بأثمن القنابل دون رقيب ولا حسيب وتلطخت السلطات المحلية بالعار. ثانياً، وجود خصم أيديولوجي يدغدغ مشاعر الناس بالخلاص من المحتل وغسل العار الوطني بلبوس عقلانية وايديولوجية دينية قريبة من الناس.

ثامناً: واصلت أمريكا ومعها القوات الدولية حرباً غير متناظرة مع قوات محلية بأسلحة خفيفة ومتوسطة ومتفجرات، لكنها أيضا إلى جانب ذلك أنشأت جيشاً يمارس نفس هذا النوع من الحروب دون مراجعة فداحة الخطأ المرتكب منذ البداية. 

على وحدات الجيش في اليمن  ان ترسم استراتيجيتها القتالية بموازاة ما يدور حتى تتمكن من استيعاب صدمة انسحاب الحليف وتفعيل القدرات الكامنة وقبل هذا ينبغي توفير موارد محلية خاصة للتسليح والامداد. 

بل ان المشكلة اعقد مع الحوثي فهو يملك قدرات جيش كاملة ويطور قدراته ويستخدم بطريقة مثلى الطائرات المسيرة في الاستطلاع والهجوم بينما تتأخر عنه جميع القوات المناوئة له في هذا الجانب. 

لا يكفي بناء قوات امنية في المحافظات المحررة وترك المهام العسكرية لقوات التحالف لأن الحوثي اكبر من وحدات أمنية. انه جيش بعقيدة قتالية ظلامية يندرج ضمن مشروع اقليمي. 

تاسعا: ان الجيش الافغاني لم يمتلك في لحظة ما قدرات استقلالية على مستوى القرار وعلى مستوى اللوجتسك. فكل تنقلاته وامداداته معتمدة على الطيران العسكري الأمريكي في بلاد مترامية الأطراف نسبيا ووعرة الطرق وصعبة التضاريس وعندما توقف الطيران الأجنبي وجدت القوات نفسها معزولة في جرز بل امداد وصارت لقمة سائغة. 

ينبغي تقليص الاعتماد على طيران التحالف إلى الحد الأدنى مع بناء قدرات مشاة ومدفعية وتشكيلات عسكرية هندسية حقيقية تلبي الحاجة الميدانية وقادرة على انجاز نتائج ميدانياً.

عاشرا: لا يكفي ان يكون عدوك شريرا لتنجح في هزيمته بما تدعي أنك تتفوق عليه اخلاقياً انما ينبغي ان تملك قضية حقيقية جامعة وتبني عقيد قتالية تتجاوز فكرة الأجور والرواتب والحوافز التي يطيح بها الفساد والمحسوبية. 

البذخ والأبهة في الجيش ولاّد للحسد بين الافراد والضباط، لأنه لن يأتي الا بسبب التمييز والتمايز. والأولى الاعتناء بالفرد الحاضر ومنحه حقوقه مكرما معززا والتخلص من الفرد الوهمي.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!