2020/10/27
إندبندنت: ’’الدان’’ ونيس اليمنيين في أسمارهم يدخل التراث العالمي

اندبندنت عربية - جمال شنيتر | يعدّ الدان الحضرمي من أبرز فنون الغناء في حضرموت بتميّزه عن غيره من الفنون في طريقة وضع ألحانه والنظم عليها، وهو ابن بيئتيه الجغرافية والاجتماعية، ويتناغم معها في بطء حركتها وسرعتها. تغنّى به اليمنيون، معبّرين عن حياتهم ومتغيراتها، فكان شعره ديواناً سجلوا فيه كل ما عاصروه من وقائع وأحداث من أفراح وأتراح، ومشاعر وجدانية وعلاقات اجتماعية، فكان الدان خير حامل لها عبر الأجيال.

 وأعلنت بعثة اليمن لدى منظمة ’’يونسكو’’ استكمال إجراءات تسجيل فن الدان الحضرمي ليكون على لائحتها للتراث العالمي غير المادي.

وكشف وزير الثقافة مروان دماج عن العمل على إنجاز ملف شروط التسجيل، الذي استغرق قرابة عام، مشيراً إلى أن اختيار فن الدان الحضرمي يأتي لاعتبارات عدة، كونه يمثّل أحد أهم مكونات الهوية الفنية اليمنية، الذي حافظ على استمراريته منذ أقدم العصور بانتقاله عبر الأجيال، ويشتمل على عناصر متنوعة من التراث الثقافي غير المادي إلى جانب تجسيده تقاليد شفهية وممارسات اجتماعية وفنون أداء.

‏وكان مندوب اليمن في منظمة ’’يونسكو’’ محمد جميح، أعلن في تغريدة له على تويتر أنه ’’بإشراف مروان دماج، وزير الثقافة، أكملت بعثة اليمن لدى يونسكو إجراءات تسجيل الدان الحضرمي ليكون على لائحة المنظمة للتراث العالمي غير المادي، وفي انتظار القرار’’.

ملف متكامل

خلال عام كامل، بذل فريق محلي في محافظة حضرموت يتكوّن من أدباء وباحثين ومهتمين بشؤون التراث وفرق الدان الحضرمي ومسؤولين محليين، إضافة إلى خبراء أجانب، جهداً كبيراً لإعداد ملف متكامل عن الدان كفنّ إنساني وتراثي بحاجة إلى الاعتراف الرسمي العالمي.

وقال مدير عام مكتب الثقافة في مديريات وادي وصحراء محافظة حضرموت أحمد عبد الله بن دويس، إن الفريق أعدّ وجهّز ملفاً متكاملاً وفقاً لاشتراطات ومعايير ’’يونسكو’’، محتوياً وثائق خاصة بتعريف وممارسة غناء الدان وسبل الحفاظ عليه، إلى جانب إعداد فيلم وثائقي وعدد من جلسات الدان الحضرمي وملف صور فوتوغرافية.

 توصيات

وأضاف، ’’إن وزارة الثقافة ممثلة بمكتبها في وادي حضرموت، نظّمت ندوات ثقافية محلية ودولية للترويج والتجهيز لإدراج الدان في قائمة التراث العالمي كمنجز تراثي وثقافي منحدر من عمق التاريخ اليمني، وأوصت تلك الندوات بضمّه إلى قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي للبشرية، واعتماد الفن الشعبي والدان الحضرمي والموشح اليمني ضمن المناهج الدراسية في الكليات والمعاهد الفنون، وتوصيفه من خلال وضع تعريف واضح ودقيق يحدّد إطار هذا الفن المتميز’’.

ودعت التوصيات إلى الشروع في توثيق وتسجيل أغانيه الموجودة في المكتبات العامة والخاصة والعمل على حفظها وأرشفتها بإشراف وزارة الثقافة وإنشاء مركز لأبحاث التراث الشعبي وتشجيع ودعم إقامة جلسات الدان الحضرمي والملتقيات والفرق المهتمة بهذا الفن وإقامة مهرجان له وإشراكه ضمن برامج المشاركات الخاصة والأسابيع الثقافية’’.

وعبّر بن دويس عن أمله في أن يثمر اعتماد ’’يونسكو’’ للدان الحضرمي كفن وتراث إنساني، اهتماماً دولياً به من خلال دعم إقامة المهرجانات الفنية والثقافية وتوثيق كل ما يتعلق به وتفعيل الكيانات الثقافية المهتمة بشأنه كالفرق الشعبية، والأهم من ذلك الشهرة والمنافسة في المهرجانات الفنية والتراثية الدولية.

مراحل تطور فن الدان 

يؤكد الباحث المهتم بالدان والتراث جيلاني الكاف، الدور الاجتماعي للدان في حضرموت منذ القدم الذي لولاه لما حافظ هذا الفن على بقائه منذ قرون واستمر إلى اليوم.

ويستعرض الكاف في ورقة بحثية قدّمها إلى إحدى الندوات الترويجية للدان، مراحل تطور هذا الفن قائلاً، ’’هو نمط من أنماط الغناء القديم في المجتمع الذي ارتبط في البداية بمن يحدون الإبل في حلّهم وترحالهم وتنقلاتهم عبر الصحراء، وهؤلاء من يسمّون بالجمّالين، حتى إن الدان، بخاصة في مدينة تريم وضواحيها، ينسب في الغالب إليهم، فيقال دان الجمّالة، ويلاحظ أنهم يمارسون غناء الدان ليس في ترحالهم فقط، بل في جلساتهم ومسامراتهم، بوصفه واحداً من متنفسات الحياة والغناء القديم، كما يمارس من خلال إطعامهم الإبل، فلا يُطعم الجمّال جمله إلا وهو يغني ويدندن بالأشعار، ثم تطور هذا الفن عبر القرون، حتى وصل في مرحلته الحالية إلى انتشاره بين أوساط المجتمع بفئاته المختلفة كالحرفيين والبنّائين، بخاصة من يرسمون وينقشون على الجدران، وباتت جلساته تعقد بشكل دائم في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية، كمناسبات الأفراح والأعراس، أو مناسبات الأتراح نحو إقامة التأبينات في وفاة عدد من أعلام الدان والمعاصرين من شعراء ومغنين أو وفاة شخصيات اجتماعية وغيرهم، كذلك تقام دوريّات لجلساته في البيوت لكثيرين من هواته من شعراء ومغنين وعشاق لألحانه، وتعدّ الأقدم في المجتمع، إذ  تكوّنت على أساس الرغبة الشديدة والعشق العميق لهذا الفن والحفاظ عليه’’.  

 جلسات الدان  

يتابع، ’’جلسات الدان وسهراته من أهم المزايا التي يتمتّع بها هذا الفن، خصوصاً في وادي حضرموت، حيث تقام في أثنائها المساجلات الشعرية الارتجالية بين الشعراء، ويحضرها جمع من عشاق هذا الفن ومتذوّقيه، ولا شك أن جلساته كانت في العهد القديم بدائية وعفوية، ويبدو أنها انطلقت من البيئة والمحيط العائلي عند من يغنّونه كالجمّالين والبدو، ثم تطورت تدريجاً إلى ما صارت عليه اليوم، وكانت تقام آنذاك في عهد الشعراء الكبار، أمثال حداد بن حسن الكاف ومستور سليمان وسعيد مبارك وسليمان بن عون وغيرهم، وتعقد بشكل عفوي. وفي الوقت ذاته، يقال الشعر خلال الجلسة من دون أي تنسيق وترتيب من قبل بين الشعراء أو المغنين في تحديد الموضوع أو الوزن أو القافية أو اللحن، وتعتمد جلسات الدان في نجاحها على مغنّيه والشاعر والملقّن’’.

تم طباعة هذه الخبر من موقع المشهد الدولي https://almashhad-alduali.com - رابط الخبر: https://almashhad-alduali.com/news7563.html