كتبت د وسام باسندوة عز قلب اليمن، هي المدينة التي كان لها دور كبير في كل انتفاضة ثورية في البلاد، تعز التي أنجبت خيرة القيادات السبتمبرية الذين لم يبخلوا بأرواحهم في مقاومة الحكم السلالي في ثورة سبتمبر المجيدة، وعاد أبناؤها ليجددوا العهد مع الانقلاب الحوثي، حين أراد الحوثيون إعادة عقارب الزمن للوراء، فلم يكن التعزيون الأبناء والأحفاد بأقل إيمانا من أجدادهم بالوفاء للثورة والجمهورية والتحرر، ورفضا للطغاة والطغيان والحكم الكهنوتي.
ولطالما كانت تعز الرقم الصعب في معادلة الحفاظ على الثورة والنظام الجمهوري، ودفعت الثمن. فمن المريب والمجحف فعلا أن يكون هناك شبه تعمد لتحويل تعز من مدينة الثقافة إلى مدينة القناصة، لا يمكن أن يكون هذا مصادفة وإنما أعتبره حلقة في سلسلة الانتقام من المدينة وسكانها ومحاولة تركيعهم، إذ نرصد يوميا عشرات الحالات لشهداء من المدنيين نساء وأطفال يسقطون برصاص القناصة، وكأنهم يتلذذون بزهق أرواحهم دون أي هدف عسكري أو سياسي، مما يزيد قناعتنا بأنه يأتي في مجال الحقد والانتقام وفقط.
تعاني المدينة منذ أعوام من حصار مجحف جائر قطع أوصالها وخنق سكانها الذين يضطرون لاجتياز الطرق الوعرة والخطرة لمجرد جلب المياه وأبسط الاحتياجات، ويقضون الساعات الطويلة للوصول إلى مناطق كانوا يصلونها في غضون دقائق.
ويعد ملف انتهاكات حقوق الإنسان في تعز من أثقل وأبرز الملفات الموثقة التي نطرحها في كل دورات مجلس حقوق الإنسان بجنيف، حين يصمت الأغلب عنها، وكأن ما تمر به تعز بات أمرا اعتياديا روتينيا لا يستدعي التوقف.
أزمة تعز وحصارها لم يكن من أولويات المباحثات والمفاوضات السياسية لدى الحكومات المتعاقبة، ففي مفاوضات ستوكهولم وضع ملف رفع الحصار عن تعز على جدول المباحثات بخجل، ليتم استبعاده لاحقا، وينتهي الأمر بالإشارة إلى تشكيل لجنة مشتركة للتفاهمات بشأن تعز، وكأن الوضع الإنساني في تعز ليس من الأمور الانسانية الملحة لدى الساسة، مما يشعرنا بأنه حتى حين وضع على جدول الأعمال لم يكن على محمل الجد بقدر ما كان للضغط السياسي وحسب.
الغريب أن أقصى المبادرات التي تتطرق للحل في هذه المدينة تتحدث عن فتح المعابر وفقط وكأن فكرة تحرير مدينة تعز التي هي بوابة مهمة لتحرير صنعاء ليس مطروحا أبدا، صحيح أن الحل العملي والسريع يكون بفتح المعابر للتخفيف عن الناس، لكن على أن تكون هذه حلقة البداية فلا بد أيضا من مبادرة شاملة تتضمن حلولا لوقف التشرذم والانقسام والصراعات البينية وتقوية وضع الدولة وانتهاء بتحرير المدينة.
مؤخرا سيرت تعز إلى عدن قافلة غذائية لدعم المتضررين من سيول الأمطار، فتعز رغم ألمها وجراحها لم تنسَ عدن، كما وكانت هناك مبادرة إغاثية كريمة خرجت من أبناء تعز الكبار، إذ تبرعت مجموعة هائل سعيد أنعم، بعشرات الآلاف من أدوات الكشف عن الإصابة بفيروس كورونا والأجهزة الطبية على أن يتم توزيعها على المنشآت الطبية في جميع محافظات اليمن دون تمييز مناطقي، وهذا عهدنا بهذه الأسرة الكريمة.
قبل يومين تكرمت عليّ متابعة كريمة وقالت إنها شهدت موقفا مؤثرا بين مريض سرطان وطبيب في أحد مستشفيات تعز، وكان المريض يوصي الطبيب بأنه إذا مات فليتكفلوا بكسوة أولاده.
و قبل وفاته،تواصل معي مباشرة الشيخ احمد العيسي وتكفل بكسوة العيد لكل اطفال مستشفى السرطان بمدينة تعز واطفال ذوي الاسر الذين يعالجون هناك وجاري التنفيذ، من لايشكر الناس لايشكر الله، شكرا للشيخ احمد العيسي وحينها
فكرت بعمق كيف يكون هذا اقصى طموح رجل من بلادنا وهو على سرير الموت، بينما بعض الساسة ومدعي الثقافة مسعورون بالمكايدات السياسية والتفاهات
لن ننسى تعز ككل قطعة في بلادنا ولنبق نعمل بجهد في كل المجالات السياسية والحقوقية وفي مجال العمل الخيري الإنساني، فالناس المتضررة تنتظر منا الأعمال لا الأقوال.