زيارة ماكرون لفيروز: هل هي جزء من الحل؟ من نظم قصيدة ياسر العظمة؟ والحريق في أحضان «تلفزيون سوريا» صور

قبل 3 سنة | الأخبار | ثقافة وفن
مشاركة |

 

راشد عيسى  

كان واضحاً أن الممثل السوري ياسر العظمة لم يعد إلى دمشق، بعد ما قذفته الحرب لسنوات خارجها، لكي يطلق منها موقفاً سياسياً يخالف ما عهدناه عنه من صمت امتد عقداً بحاله، وإن كان يحسب له أنه لم يكن شبيحاً، ولا ظهرَ على شاشات النظام لتبييض صورته المتوحشة.

لم ننتظر منه موقفاً يودي به إلى المعتقل، وكلنا يعرف سقف القول في «سوريا الأسد» لكن لا شك أن كثراً انتظروا منه قولاً مفيداً في برنامج، أعلن عنه في حلقة تقديمية، يتوجه فيه إلى الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولو أنه لم يحدد بالضبط شكلاً واضحاً للبرنامج.

جاءت الحلقة الأولى من برنامج «مع ياسر العظمة» كلها عبارة عن قصيدة عمودية، لم يذكر فيها اسم المؤلف (يجزم الشاعر السوري حسان عزت أن القصيدة ليست لياسر العظمة، قائلاً: ابحثوا عن ناظمها!) ويمكن القول إن العظمة كان يمثّل القصيدة ولم يكن يلقها.

لم يستطع الممثل الكوميدي أن يختفي وراء تلك القصيدة، كثر منا لم يتمكّنوا من التفاعل مع «مأساوية» القصيدة، وإن طُعّم ثلثها الأخير بموسيقا حزينة.

لم يكن من السهل أن يتقبّل المرءُ المهرجَ (وليست الكلمة هنا للانتقاص لا سمح الله) وهو يلعب دوراً تراجيدياً.

مع ذلك استطاعت الحلقة/ القصيدة أن تستفز الجمهور على ضفتي المعارضة وشبيحة النظام السوري، وثار بسببها نقاش لم ينته حتى الساعة حول التجربة، وحول تجربة الفنان في مسلسله الشهير «مرايا».

 

استطاعت “قصيدة” ياسر العظمة أن تستفز الجمهور على ضفتي المعارضة وشبيحة النظام السوري، وثار بسببها نقاش لم ينته حتى الساعة، طال تجربة الفنان في مسلسله الشهير «مرايا».

 

كذلك حاول كثر استكشاف ما بين سطورها القصيدة؛ شبيحة النظام ثاروا على الفنان بسبب مقطع يقول: «قد ندّعي نصراً ولا نصر/ ومكاسب في إثرها خسر/ كم مؤلم عدّ المزايا لدى الأبطال لكن ما لنا ذكر/ أسيادنا أملاكهم ذهب ونفائس قد ملّها القصر/ ما همهم شعب على عوز، ورعية قد عضها الفقر/ نمنا عقوداً يعبثون بنا بمخططات كلها هزر/ ولقد سئمنا من مماطلة قد ضاع في طياتها العمر/ زرعوا غراساً لا نماء لها فبذورهم قد نالها نخر/ هل يجتنى من يابس زهر».

فيما ذهب معارضون إلى لوم الممثل بسبب ما اعتبروه اعتذاراً من النظام، عندما توجه إلى دمشق بالقول: «مهما اعتذرنا عن إساءتنا، قد لا يليق بك العذر».

لا ندري ما الذي خطر ببال الممثل المخضرم كي يملأ حلقته بالشعر! معه بالذات تشعر أن هناك من يريد أن لا يقول قولاً واضحاً أو مفيداً فلجأ إلى القصيدة. هكذا نفهم أن اللجوء إلى قول الشعر أحياناً لا غرض منه سوى التهرب من القول.

لا نحسب أن الفنان ياسر العظمة سيصمد طويلاً في لعبة التحايل على المعنى، إن كان يقصدها فعلاً، فهجوم الشبيحة (ومن بينهم شركات الإنتاج التلفزيوني الذين انتقدهم بقسوة في القصيدة، في ضوء خلافات إنتاجية، على ما قيل) سيدفع به إلى تخفيف نبرته، وإعلان ولائه بوضوح، أو أنه سيختار الصمت، على الأقل.

 

رأس في الرمال

 

انشغل عدد من مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوع الأخير بالجدل حول فيديو لسيدة سورية ظهرت في فيديو مدماة الوجه تشكو للرأي العام زوجها المذيع في «تلفزيون سوريا». حملة تضامن كبيرة وضاغطة جاءت إثر الفيديو، ويبدو أنها دفعت الإعلامي مقدم البرامج للاستقالة تجنباً لإحراج المؤسسة التلفزيونية.

بغض النظر عمّا آلت إليه القضية، إذ لا يغيّر من أهمية التضامن أن تعود المرأة لزوجها في نهاية القصة، استنكر كثر أن يتجاهل «تلفزيون سوريا» هذا الحريق الذي جرى على مقربة منه، بل في أحضانه.

 

خسر “تلفزيون سوريا” المعارض فرصة كبيرة في إثبات مهنيته، إذ لم يبق موقع الكتروني، ومن بينها مواقع عريقة كالـ «بي بي سي» إلا وتناول الحدث بالتعليق وأحياناً بالمشاركة في حملة تضامن مع السيدة المعنفة، فيما هو مشغول بما تحكيه الميديا في شؤون أخرى.

 

إعلامياً، وهذا هو الجانب الذي يهمّنا في هذه الزاوية، خسر التلفزيون المعارض فرصة كبيرة في إثبات مهنيته، إذ لم يبق موقع الكتروني، ومن بينها مواقع عريقة كالـ «بي بي سي» إلا وتناول الحدث بالتعليق وأحياناً بالمشاركة في حملة تضامن مع السيدة المعنفة.

بدا «تلفزيون سوريا» كمن يخفي رأسه في الرمل، فيما اسمه على كل لسان. وفي الواقع هذا هو تماماً سلوك إعلام النظام المستبد الذي جاء التلفزيون المعارض ثائراً عليه، ومحاولاً أن يقدم صورة بديلة، لم يفلح في اختراعها، إن لم نقل إنه لم ينجح في شيء قدر ما أفلح في تبديد الصورة المشتهاة.

كل التلفزيونات تفرد في برامجها مساحة لما تسميه «الترند»، أو «حكي ميديا» وسواها من برامج مخصصة للحديث عن آخر ما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينها «تلفزيون سوريا» الذي، وبدل أن يفسح المجال للقضية الأقرب إليه للنقاش والجدل، راح يسخر، في أوج اشتعال الحريق، من كلام يدور هنا، أو يدور هناك، في بيوت الآخرين، فيما كان هو نفسه الخبر الأول على أكثر الصفحات.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يخسر فيها التلفزيون المعارض جولة أمام السوشال ميديا، إنه يثبت يوماً إثر يوم، ومنذ لحظة تأسيسه، مضيّه بعناد نحو مصير خصومه، هؤلاء الذين يفترض أنه ثار عليهم.

 

زيارة السيدة فيروز

 

لو أن زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون المرتقبة للمغنية اللبنانية فيروز جاءت في ظروف عادية لوجب الاحتفال بها والتطبيل لها سبعة أيام بليالها، أما وقد صادفت الحال المروّع للبنان، فقد أثارت، منذ تسربت أنباؤها إلى أسماع اللبنانيين، سخريتهم واستنكارهم، لنقل الكثيرين منهم.

من جهة رأى المنتقدون فيها زيارة فلكلورية، استعراضية، عاطفية تستكمل مشاهد الضم والعناق والتعاطف التي أبداها ماكرون أثناء زيارته الأولى لبيروت إثر انفجار الرابع من آب، ويبدو أنه أيضاً أراد استكمال السيناريو الرومانسي بزيارة السيدة، «الصوت الموزع بالتساوي بين طائفتين».

 

رأى منتقدو زيارة ماكرون لفيروز أنها زيارة فلكلورية، استعراضية، عاطفية تستكمل مشاهد الضم والعناق والتعاطف التي أبداها ماكرون أثناء زيارته الأولى لبيروت إثر انفجار الرابع من آب.

 

لا شك أن ماكرون يحاول عبر زيارة السيدة فيروز إسباغ معنى ما، قد يكون من أجل استدعاء لبنان الحب والجمال والسماء إلى ذاكرة اللبنانيين، لكن كيف يصرف ذلك كلّه على الأرض، حيث النفايات والعتمة وموتسيكلات الثنائي وأعلامهم تحوم كالغربان في قلب المدينة.

مع ذلك ستجد من بين الكتّاب من يصفق للزيارة سلفاً، فرحين بنظرة فرنسا إلى لبنان كـ «وطن مستقل، مزدهر ومثقف» يحاولون استنباط المعني الذي في قلب ماكرون: «ماذا لو أصغينا إلى صوت فيروز؟»!

فيا فرحة اللبنانيين، إن كان ماكرون جاء يعالج الجحيم اللبناني بهذه الرومانسية!

 

بين براثن الورثة

 

قالت مواقع الكترونية إن ريما الرحباني منعت حضور الصحافة المحلية والعربية والأجنبية من تغطية لقاء والدتها السيدة فيروز مع الرئيس الفرنسي، ويبدو أن الأمر سيكون في عهدة مصور خاص، على أن توزع الصور لاحقاً. الطريف أن ناشطين راحوا يتندّرون مسبقاً بتوقّع ردور فعل الابنة الرحبانية فور الإعلان عن الزيارة، وها هي لم تخيب توقعاتهم.

 

إن أسوأ ما يحدث للمبدعين الكبار، الذين يهتم لهم جمهور واسع، أن تقع أعمالهم في أيدي ورثتهم بعد رحيلهم، غير أن حظنا، وحظ فيروز، السيء أوقعنا جميعاً، ومنذ سنين عديدة، في براثن الوريثة الابنة، التي لم ينج منها أحياناً حتى شقيقها زياد.

 

 كاتب فلسطيني سوري

وكالات

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!