بعد مرحلة غير مسبوقة من التشدد النقدي، بدأ البنك المركزي الأوروبي الخميس بخفض معدلات الفائدة الرئيسية، ما يفتح مجالاً أمام تخفيف حدّة التوترات المحيطة بالقروض التجارية والعقارية.
وكانت المؤسسة الأوروبية قد خفّضت أسعار الفائدة آخر مرة، في أيلول/سبتمبر 2019.
وخُفضت نسبة الفائدة على الودائع إلى 3,75 في المئة، بعدما بلغت أعلى مستوى في أيلول/سبتمبر الماضي بوصولها إلى 4 في المئة، وفقاً لبيان صادر عن المؤسسة.
وأدى الانخفاض الملحوظ في التضخّم في منطقة اليورو إلى 2,6 في المئة في أيار/مايو، بعد وصوله إلى ذروته في خريف العام 2022، إلى إقناع مجلس محافظي البنك المركزي بتخفيف القيود النقدية اعتباراً من حزيران/يونيو، ما يعني الخروج من مرحلة غير مسبوقة تمثّلت في رفع أسعار الفائدة بدءاً من تموز/يوليو 2022.
مع ذلك، يقول البنك المركزي الأوروبي إنّ مستوى التضخّم سيبقى “أعلى من هدف” الـ2 في المئة “في قسم كبير من السنة المقبلة”.
وسبب ذلك هي الضغوط التي لا تزال قوية على الأسعار داخلياً، خصوصاً في قطاع الخدمات، في ظلّ الارتفاع الكبير في الأجور.
ومن هذا المنطلق، قامت المؤسسة بمراجعة توقّعاتها للتضخّم مقارنة بآذار/مارس، مشيرة إلى أنه سيبلغ 2,5 في المئة في العام 2024 و2,2 في المئة في سنة 2025، وأخيراً 1,9 في المئة في سنة 2026.
وفي ما يتعلّق بازدياد الأسعار، باستثناء أسعار منتجات الطاقة والمواد الغذائية، فإنّ متوسط الزيادة سيبلغ 2,8 في المئة في العام 2024 و2,2 في المئة خلال سنة 2025 و2,0 في المئة في سنة 2026.
– انتعاش لقطاع العقارات؟ –
والسؤال في الوقت الحالي هو ما إذا كانت الإجراءات الخجولة التي اتُخذت الخميس ستحدث صدمة ايجابية تكون بمثابة مقدّمة لاستئناف النشاط الاقتصادي، من دون ارتفاع التضخّم مجدّداً.
في هذه الأثناء، سيظهر الأثر الأكثر وضوحاً على سوق العقارات، حيث تعرّض المقترضون لضغوط بسبب الارتفاع المفاجئ في أسعار الفائدة، خصوصاً أولئك الذين يدفعون أسعار فائدة متغيّرة.
وتسبّب ذلك في انهيار حجم القروض الجديدة المقدّمة للأُسر الراغبة في شراء مساكن، من دون أن يكون له أثر كبير على أسعار المساكن.
بناء عليه، من المتوقع أن يؤدي خفض أسعار الفائدة المتتالي، إلى “تخفيف الركود في سوق العقارات، الذي يمكن أن يدعم انتعاشه النمو إلى حدّ ما”، وفقاً لإريك دور مدير الدراسات الاقتصادية في معهد الاقتصاد العلمي والإدارة.
من جهة أخرى، لم يكن للارتفاع السابق في أسعار الفائدة تأثير يُذكر على حجم القروض الاستهلاكية الجديدة. كما أنّ الأُسر ستزيد إنفاقها “ما يعني أنّ الأجور ستكون قادرة على التعويض في مقابل التضخّم السابق، بدلاً من أسعار الفائدة”، وفقاً لدور.
أمّا بالنسبة للقروض المقدّمة من المصارف للشركات، والتي بلغت أدنى مستوياتها خلال فترة اعتماد إجراءات التشدد النقدي، فإنّ انتعاشها سينتج بشكل أساسي من تحسّن الآفاق الاقتصادية والقدرة التنافسية التي تدهورت في منطقة اليورو بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.
واشار دور إلى أنّ البنك المركزي الأوروبي سيحتاج إلى “توضيح أنّه ملتزم بسلسلة من التخفيضات المتعاقبة في أسعار الفائدة” وذلك كي تستفيد الأُسر والشركات.
يأتي ذلك فيما لم تصدر من المؤسسة النقدية الأوروبية أيّ إشارة الخميس بشأن استمرار الدورة الجديدة في خفض أسعار الفائدة، في ظلّ سياق اقتصادي يسوده انعدام اليقين، ما يعني أنّ هذا الاتجاه سيعتمد على البيانات الاقتصادية المتاحة مستقبلاً.
وفي هذا الإطار، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد الخميس، إنّ “الأشهر المقبلة ستظل متقلّبة”، مشيرة إلى توخّي المؤسسة الحذر في ما يتعلق بسياسة تحديد معدلات الفائدة.
وأوضحت أنّ هناك “عقبات قد تظهر بشكل مفاجئ… ولسنا متأكّدين تماماً من حجمها”.