تواجه وكالات الأمم المتحدة العاملة في الأراضي الفلسطينية نقصا متناميا في تلقي التمويل المالي اللازم لبرامجها ما يلقي بظلاله القاتمة على توجيه المساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
وحذر مسؤولون دوليون من مخاطر حادة لأزمة تمويل غير مسبوقة تعانيها وكالات الأمم المتحدة على الوضع الإنساني المتدهور أصلا في الأراضي الفلسطينية لاسيما في قطاع غزة المهدد بالوصول إلى "مرحلة مجاعة".
وأعلن برنامج الأغذية العالمي عن تعليق المساعدات الغذائية لنحو 60% من المستفيدين من برامجه بواقع نحو 200 ألف فلسطيني مطلع حزيران/يونيو الماضي في ظل عجز كبير في موازنته المالية.
وقال برنامج الأغذية العالمي إنه يواجه خطر وقف كامل لما يقدمه من مساعدات في آب/أغسطس المقبل ما لم يتوفر له التمويل اللازم لاستمرار عملياته وذلك في سابقة تعد الأولى لأنشطته في الأراضي الفلسطينية.
وكان البرنامج أفاد بأنه يحتاج بشكل عاجل إلى 51 مليون دولار للحفاظ على المساعدات الغذائية والنقدية الضرورية في الأراضي الفلسطينية حتى نهاية عام 2023 الجاري.
وصرح مدير برنامج الأغذية العالمي في فلسطين سامر عبد الجابر، بأن التطلعات لحشد الدعم المالي للبرنامج عند الإعلان عن إيقاف الجزء الأكبر من مساعداته تحولت إلى خيبة أمل في ظل عدم وجود تحرك فعلي للجهات المانحة.
وقال عبد الجابر في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إن تقديراتهم تظهر بوجود 1.8 مليون شخص في الضفة الغربية وقطاع غزة يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي.
وأوضح أن الأزمة المالية غير المسبوقة لبرنامج الأغذية العالمية تهدد بمضاعفة الأرقام المذكورة تحت وطأة الصعوبات الاقتصادية والمعيشية ونقص المواد الأساسية لحياتهم مثل دقيق القمح.
من جهتها تجد وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" نفسها عرضة لتقليصات الدعم المالي التي طالت كافة المنظمات الأممية، علما أنها تقدم مساعدات غذائية ونقدية إلى مليون و700 ألف فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية.
ويقول الناطق باسم أونروا في غزة عدنان أبو حسنة لـ(د.ب.أ)، إن برامج الوكالة؛ لاسيما الأساسية منها المتعلقة بالدعم الغذائي معرضة للتوقف بشكل تام خلال الأشهر الثلاثة المقبلة بسبب العجز المالي للمنظمة الدولية.
ويشير أبو حسنة إلى أن أونروا تعاني من عجز مالي في موازنتها الرئيسية يتجاوز مبلغ 75 مليون دولار ما يعرض برامجها الأساسية للخطر في ظل وضع إنساني متدهور أصلا في الأراضي الفلسطينية خاصة قطاع غزة.
ويوضح أن أونروا تقدم مساعدات غذائية لمليون و200 ألف لاجئ في قطاع غزة بشكل دوري، منهم حوالي 800 ألف لاجئ لا يستطيعون توفير وجبتين من الطعام في اليوم الواحد.
ويحذر أبو حسنة من أن استمرار تفاقم العجز المالي لأونروا والخطر الذي يحيط ببرامج الدعم الغذائي "ينذر بتداعيات إنسانية في غاية الخطورة في قطاع غزة بما في ذلك خطر الوصول إلى حالة مجاعة".
وتقول أونروا التي تصف نفسها بأنها شريان حياة في الأراضي الفلسطينية، إنها أمام ثلاثة أشهر مصيرية من أيلول/سبتمبر حتى نهاية العام الجاري في ظل خطر توقف برامجها بشكل كامل وعجزها عن دفع رواتب موظفيها بما يحمل تأثيرات خطيرة على الاستقرار الإقليمي في المنطقة.
وتعاني الوكالة الأممية الأهم بالنسبة للفلسطينيين من أزمات مالية كبيرة منذ سنوات أدت إلى تراجع قدرتها على تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين الذين ترعاهم في خمس مناطق رئيسية هي غزة والضفة الغربية ومخيمات الأردن ولبنان وسوريا.
وصرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، مؤخرا بأن أونروا "على وشك الانهيار المالي"، داعيا الدول المانحة لتحمل مسؤولياتها ودعم المنظمة، للوفاء بالتزاماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين.
ونبه جوتيريش إلى أنه "عندما يكون مستقبل أونروا في الميزان، فإن حياة الملايين من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون على خدماتها الأساسية مثل الغذاء والصحة والتعليم ستكون في خطر".
وتقول شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في غزة إن سكان القطاع يعانون من "كارثة إنسانية" أثرت على كافة مناحي الحياة لسكان القطاع الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومترا مربعا ويقطنه 2.3 مليون نسمة، وهو الأعلى كثافة سكانية في العالم.
وتبرز المنظمات الأهلية الفلسطينية أن التدهور الحاصل يترافق مع "عجز المجتمع الدولي في الضغط على إسرائيل، وكذلك تقليص الدعم المالي لوكالات الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني التي تعمل من أجل تقديم الخدمة بقطاعاتها المختلفة للفلسطينيين".
وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة منذ عام 2007، ومنذ ذلك الحين يلقى الوضع بظلال قاتمة على الحالة الاقتصادية والمعيشية لسكان القطاع الساحلي.
ووفقا للتقارير الفلسطينية الرسمية، فإن معدل البطالة في القطاع يتجاوز 50%، في حين يعيش 83% من السكان تحت خط الفقر نتيجة تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية.
ويحذر عمر عوض الله مساعد وزير الخارجية وشؤون المغتربين في السلطة الفلسطينية من التداعيات الوخيمة للأزمة المالية لوكالات الأمم المتحدة العاملة في الأراضي الفلسطينية.
ويقول عوض الله لـ(د.ب.أ)، إن ما يجرى من إضعاف واضح لدور وكالات الأمم المتحدة لاسيما أونروا التي تخدم 5.9 مليون فلسطيني أمر بالغ الخطورة وينذر بتفاقم تدهور الأوضاع الإنسانية في المجتمع الفلسطيني.
ويشير إلى أن السلطة الفلسطينية تبذل جهودا مكثفة مع الأمم المتحدة لتوفير الدعم المالي اللازم لوكالاتها المتخصصة في فلسطين لاسيما أونروا بما في ذلك عقد اجتماع على هامش دورة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل لحث الدول المانحة على التحرك العاجل.