(رويترز) - وقف الشاب ماجد أحمد ثابت على استحياء ينادي المارة في أحد الشوارع الرئيسية في مدينة عدن جنوب اليمن، عارضا ملابس ولوازم العيد للبيع ليمارس مهنة لم تخطر على باله مطلقا.
على ناصية شارع مزدحم بضاحية الشيخ عثمان الشعبية، يفترش العديد من الباعة الجائلين الأرض غالبيتهم من خريجي الجامعات والعاطلين عن العمل.
ومع حلول شهر رمضان، اندفع هؤلاء إلى الأسواق لبيع الملابس المستوردة رخيصة الثمن والحلي وغيرها من مستلزمات كسوة العيد البسيطة المتناسبة مع قدرة ذوي الدخل المحدود.
منهم من اعتاد فعل ذلك خلال المواسم، ومنهم قرر تجربة هذا العمل للمرة الأولى في حياته مثل ماجد الذي لفت الأنظار إليه بأسلوبه الجذاب رغم خجله.
ويقدم الشاب قطعة من الكعك والعصير هدية لمن يشتري ملابس منه، ويبلغ سعر قطعة الملابس الواحدة أقل من خمسة آلاف ريال يمني.
يقول الشاب البالغ من العمر 32 عاما لرويترز إنه لم يخطر بباله قط أنه سيضطر للعمل في الشارع منذ أن تخرج في كلية الهندسة بجامعة عدن قبل سبعة أعوام.
ويرى كثير من اليمنيين العاطلين عن العمل شهر رمضان فرصة مناسبة لهم للانخراط في سوق العمل، من خلال الأعمال المؤقتة، التي تكثر في هذا الشهر وقبل حلول العيد. ويدر الأمر عليهم دخلا جيدا.
* البحث عن وظيفة
كغيره من الآلاف الشبان في المحافظات الجنوبية، ما زال ماجد ينتظر فرصة الحصول على وظيفة حكومية في تخصصه وهو الهندسة المدنية أو حتى غيرها منذ سنين. إلا أن طموحاته أحبطتها نيران الحرب التي اندلعت عقب سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء أواخر عام 2014.
لكن كثيرا من سكان الجنوب يعزون السبب الرئيسي في عدم حصولهم على وظائف حكومية إلى نظام الحكم السابق للرئيس الراحل علي عبد الله صالح والحكومات المتعاقبة.
وخلال العقدين الماضيين، تنامت في المحافظات الجنوبية مشاعر الغضب والسخط من نظام الحكم إذ رأوا أن عدم حصولهم على الوظائف عقابا سياسيا لهم. ويقولون إنهم شهدوا استحواذ أبناء المحافظات الشمالية على الوظائف المخصصة لمدينتهم بعد حرب عام 1994 التي انتصر صالح فيها على شركائه من قادة دولة الجنوب السابقة.
وشهد عام 2007 احتجاجات حاشدة في الجنوب ضد صالح طالبت بالانفصال واستعادة دولة اليمن الجنوبي المستقلة التي اتحدت مع اليمن الشمالي في عام 1990.
ومنذ اندلاع الصراع في أواخر مارس آذار 2015 بين الحوثيين وتحالف بقيادة السعودية، توقفت إجراءات التوظيف في المصالح والمؤسسات الرسمية.
وأدى الصراع إلى تدمير الاقتصاد وتشريد الملايين وارتفاع الأسعار مع ضعف الأجور التي تعد الأدنى على مستوى العالم.
وبحسب تقارير رسمية حديثة وأخرى للأمم المتحدة، تسببت الأزمة الاقتصادية الخانقة في ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 40 بالمئة وارتفاع نسبة البطالة إلى 35 بالمئة من 14 بالمئة قبل الحرب. كما زاد الفقر إلى نحو 78 بالمئة ليجد الشبان الذين يشكلون 70 بالمئة من إجمالي السكان البالغ عددهم 32.6 مليون، أنفسهم أمام طريق مسدود.
* كفاح مستمر
يقول ماجد لرويترز إنه منذ تخرجه بتقدير جيد جيدا عام 2016، وهو يكافح لنيل وظيفة حكومية.
ويعتقد أنه توجد وظائف كثيرة خالية ومتوفرة بقطاعات الدولة لكن لا ينالها مستحقوها.
وقال "هناك الكثير من الأشخاص الذين لم يسجلوا بالخدمة المدنية حصلوا على وظائف الحكومة لأن لديهم نقودا وأقارب مسؤولين".
وأضاف "لا ينظر القائمون إلى الكفاءات بل للمصلحة والجهة السياسية التي ينتمون إليها. مئات الأشخاص من غير الجامعيين فازوا بوظائف خلال السنوات الخمس الأخيرة وتم تعيينهم في مرافق حساسة كالمطار والميناء والجمارك والنفط وآخرون حظوا بالعمل في مكاتب الحكومة في مقرها بالعاصمة السعودية الرياض لأن عندهم الوساطة والدعم السلطوي".
وعمل ماجد منذ تخرجه في عدة مشروعات تجارية في تخصصه. وعمل أيضا محاسبا ومتطوعا بإحدى المنظمات إلا أنه يتطلع لتعيينه في وظيفة حكومية.
* قلة العائد المادي
لا يكسب الشاب أموالا كثيرة من بيع الملابس مع ضعف المبيعات نتيجة الركود الاقتصادي وضعف القدرة الشرائية بسبب هبوط قيمة العملة المحلية.
ويبلغ سعر صرف الدولار في عدن ومناطق جنوب البلاد 1210 ريالات.
أما رأفت عبد الحميد خريج الجامعة فيبيع الأحذية الجلدية المستوردة في إحدى أكثر الأسواق شعبية في عدن القديمة.
ويقول رأفت، وهو في أواخر الثلاثينيات من العمر وعاطل عن العمل "في رمضان وقبل حلول العيد فرصة مناسبة للعمل لكسب الرزق الحلال والمال حتى أتمكن من إنفاقه خلال الفترة المقبلة خاصة وأن الظروف المعيشية والاقتصادية الآن أصبحت أكثر تعقيدا وتغيرت عنها قبل ثماني سنوات بسبب تداعيات الحرب".
وأضاف لرويترز "أعتقد أن كثيرا من الشباب مثلي يواجهون نفس المعاناة واتجهوا للعمل في الأسواق لتجاوز أزماتهم ولو لبضعة أيام مع شهر رمضان الذي تكثر فيه الأعمال المختلفة في مجالات واهتمامات عديدة".
ويرى الناشط الحقوقي والاجتماعي عارف ناجي إقبال خريجي الجامعات على العمل كبائعين نتيجة طبيعية للوضع العام في البلاد ويعكس إحباطا متراكما.
وأوضح ناجي "تحيط حاملي الشهادات الجامعية جملة من المآسي زادت آثارها الحرب الذي شلت قدرة الدولة على استيعاب دفعات الجامعيين في وظائف جديدة في مختلف المجالات لينحصر الأمر على تمكين مجموعات معينة من المحسوبين".
وقال مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في عدن لرويترز إن أعداد المسجلين في قوائم الراغبين بالوظائف قد يصل إلى أكثر من 15 ألفا. وأحجم المسؤول عن الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
وتوقع البنك الدولي، في تقرير أصدره أوائل الشهر الجاري، انكماش النشاط الاقتصاد الحقيقي في اليمن بمقدار 0.5 نقطة مئوية خلال عام 2023.
لكن المشكلة القائمة كما يحددها البنك هي إعادة بناء الاقتصاد الوطني في واحد من أكثر البلدان احتياجا للدعم والمساعدات.
ووضع البنك الدولي اليمن في قائمة الدول التي تشهد أزمة حادة في الأمن الغذائي مع وصول معدل انتشاره إلى نحو 99 بالمئة من السكان في عام 2023 ارتفاعا من 10.1 بالمئة عام 2005.