المستشار الألماني يتعهد ببناء “أكبر جيش في أوروبا”.. هل سيعود الجيش الألماني قريباً القوة العسكرية الضاربة الأقوى في العالم؟

قبل سنة 1 | الأخبار | علوم وتكنولوجيا
مشاركة |

تعهد المستشار الألماني، أولاف شولتس، ببناء “أكبر جيش تقليدي في أوروبا”.

جاء ذلك في تصريح له خلال مقابلة مع المجموعة الإعلامية الألمانية "فريق تحرير برلين الجديدة" Neue Berliner Redaktionsgemeinschaft، إضافة إلى صحيفتي "شتوتغارت تسايتونغ" Stuttgarter Zeitung، و"شتوتغارت ناخريختين" Stuttgarter Nachrichten. حيث تابع شولتس: "بهذه الطريقة سوف يتم تعزيز أمن ألمانيا وحلفائها بشكل كبير".

كيف تم إضعاف الجيش الألماني؟

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وعيون العالم على ألمانيا وجيشها، ويدور السؤال على الألسنة: هل تعاود برلين سيرتها العسكرية الأولى مرة أخرى لتصبح قوة عسكرية ضاربة في العالم؟

في العام 1945م كانت أربعة جيوش كبيرة على أطراف برلين، الجيش الأحمر على حدودها الشرقية بينما الحليفين الأنجلو-أمريكي ومعهم فرنسا على حدودها الغربية، عُرفت عملية قصف العاصمة النازية بوصفها أكبر عملية قصفٍ جماعيٍ عرفها التاريخ، وقُدرت القذائف بنحو مليوني قذيفة، خربت 90% من بُنى المدينة التحتية.

كان الألمان على وعي كامل بأي الأعداء أشد وطأة وأكثر بأسًا عليهم إذا ما بلغ المدينة، ولذلك تمترسوا بقوة على الحدود الشرقية، لم يريدوا للجيش السوفيتي أن يتمكن من رقابهم، فهم على علم تام بما فعله جيشهم النازي في ستالينغراد، حيث قتل من السوفييت ما يقارب المليوني نسمة.

كانت ستالينغراد بداية النهاية للجيش النازي، إذ أراد من خلالها شطر الاتحاد السوفيتي لنصفين لتعبيد الطريق أمامه إلى القوقاز الغني بالنفط والمناطق السوفيتية الجنوبية الصناعية، لكن عزيمة الروح فاقت عزيمة السلاح الهتلري، ودعايا النازية لم تُفلح في اقتلاع المقاومة من نفوس السوفييت، وانتهت بها أسطورة الفيرماخت الذي لا يُهزم.

فُرضت على ألمانيا بُعيد الحربين الأولى والثانية قيود صارمة لئلا تتوحش مرة أخرى، لكن الحقد الذي ملأ قلوب الألمان بعد الحرب العالمية الأولى، جعلهم ينتقمون ويُذيقون العالم ويلات الحروب مرة أخرى، مما نبّه العقل الأمريكي لضرورة تبني سياسات الاحتواء بديلًا، فكانت خطة مارشال.

دفعهم لهذا المسلك الاحتوائي للألمان الظرف العالمي القاسي في ظل الحرب الباردة، وكما كانت أمراض الفقر والبطالة والتخلف الاجتماعي سببًا كافيًا لانتشار الشيوعية في بلدان العالم بعد الحرب من وجهة النظر الأمريكية، حرصت الولايات المتحدة على إظهار الكرم لدول غرب أوروبا لتكون حائط الصد في وجه الشيوعية السوفيتية، واقتضت الخطة دعم السوق الأوروبية بنحو 13 مليار دولار، ذهبت جميعها في مجالات الصناعة والتجارة وعادت على الولايات المتحدة بالنفع الكبير، بفتح سوق جديدة لمنتجاتها، وكذلك ضمان الولاء الأوروبي (التائه) بعد الحرب المدمرة.

بقيت ألمانيا في السنوات التالية للحرب بلا جيش إلا من بعض العناصر الرمزية لحماية الحدود، حتى سمح الحلفاء بتسليحها وتأسس جيشها في الثاني عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 1955، أي بعد قرابة العشر سنوات من الحرب العالمية الثانية، وكان الإعلان عنه مثيرًا للجدل في الأوساط الأوروبية، كيف يكون لألمانيا جيش نظامي بعد هذه الحقبة الدموية من حياة أوروبا؟

كان الجيش الألماني قبيل الاتحاد (1990) يبلغ قوامه 495 ألف مقاتل ونصف مليون من جنود الاحتياط، إلا أن اتفاقية 4+2 (اتفاقية الاتحاد بين الألمانيتين والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وكل من فرنسا وبريطانيا) اشترطت ألا يزيد قوام الجيش الاتحادي الألماني عن 370 ألف جندي مقاتل وهو ما يزال محل التزام إلى اليوم.

تخشى أوروبا أن تدور الدائرة الألمانية عليهم ثانيةً لذلك حرّموا على ألمانيا أن تحمل السلاح، لكنهم في المقابل لن يتحملوا عنها عبء الحماية؟ إذن ليسبق الشرط الأوروبي بناء الجيش الألماني، فكيف تحقق ذلك؟

فككت ألمانيا الاتحادية جيش ألمانيا الشرقية وأحالت جنرالاته للتقاعد، خشية أن يتوغل الشيوعيون والموالون لهم في قيادة ألمانيا، وكان الجيش الشرقي قوامه 90 ألفًا لم يُدمج منهم سوى قرابة الـ 20 ألف، بعد فحصٍ دقيقٍ لأوراقهم، وتخلصت الحكومة الألمانية من النصيب الأكبر من أسلحة وذخائر الجيش الشرقي إما بإعدامها أو ببيعها لدول صديقة كتركيا وإندونيسيا، وكانت هذه أولى خطوات التهذيب التي أقرتها الدولة الألمانية الجديدة على جيشها الوليد، تزامنًا مع التقليص التدريجي لتعداد الجيش الاتحادي ونفقاته عملًا باتفاقية الاتحاد سالفة الذكر.

في العام 1994م طلب الحلفاء في أوروبا من ألمانيا الاتحادية الانخراط معهم في عمليات تدعيم السلام في مناطق العالم المختلفة، وهنا أضفت المحكمة الدستورية الألمانية شرعيتها على أي تدخل خارجي للجيش ضمانةً لئلا يتغوّل، بعدما كان الدستور يمنعه من المشاركات الخارجية، بشرط ألا تكون خارج إطار المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وحلف الناتو، وأن تسبق موافقة البرلمان تحركات الجيش، وبهذا صارت الديمقراطية الألمانية نفسها حارسًا على الجيش، لكن لم يكن التشريع وحده العائق أمام المشاركات الألمانية، فانعدام الجاهزية كان التحدي الأكبر، ولعل المشاركة الألمانية في أفغانستان كانت دليلًا على ذلك.

بدأ الجيش الألماني المعروف بـ"بونديس فير" في إرسال قوات إلى أفغانستان، وهناك اكتُشف أن البندقية (جي 36) تفقد دقة التصويب أثناء القتال. أصبحت بنادق جي 36 غير دقيقة بعد إطلاق النار المستمر – وهي مشكلة لم تكن واضحة للجيشٍ في وقت السلم – لكن ما يزال من الصعب تفهم كيف لم يُلاحظ ذلك الخلل في وقتٍ أقرب، وبعد الاعتراف بأن البندقية غير دقيقة، أعلنت وزيرة الدفاع، أورسولا فون دير لاين، أن البندقية ليس لها مستقبل في البوندسڨير، في الحقيقة كان غياب التطوير والصيانة بحق الأسلحة لأسباب تعلقت بالتمويل العسكري الهزيل.

بالأرقام.. هكذا تم إضعاف الجيش الألماني

«كل ما نريده بتأسيس حلف شمال الأطلسي هو أن نُبقي روسيا خارجًا والولايات المتحدة شريكًا بينما ألمانيا عليها أن تبقى أسفل السلم العسكري الأوروبي»، كان هذا تصريحًا لهاستينغز إسماي، الأمين العام الأول لحلف الناتو (1952 -1857).

وعليه جرى تقليص موازنة الدفاع الألمانية سنويًا بشكل منتظم، حتى أنها انكمشت من 3.2 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي الألماني لعام 1983 لـ 1.2 بالمائة لناتج عام 2014، ما أثّر سلبًا على إعداد الجيش، ليصير في الأخير غير قادر على مجابهة التحديات الإقليمية والمشاركة في البعثات الأجنبية بشكل فعال، ما استدعى مؤخرًا تعاطف السيد يانوش أونيشكيفيتش، وزير الدفاع البولندي الأسبق، والذي قال: «لقرون ظل قلقنا الأكبر أن يكون للجار الألماني جيشٌ قوي، أما اليوم فإن أكثر ما يخيفنا هو الضعف العسكري الألماني، ونخشى من اليوم الذي يُقال فيه إن ألمانيا لا تتحمل مسؤولياتها بجدية تجاه الحلفاء في الناتو».

والحقيقة أن كلام الوزير البولندي لا يجانب الصواب إذا ما قورن بشهادات ضباط الجيش الألماني أنفسهم، ففي شهادة لثلاثة مفتشين تابعين للجيش أمام لجنة الدفاع في البوندستاج (البرلمان الألماني)، في سبتمبر (أيلول) للعام 2015، تأكد أن هناك 42 طائرة مقاتلة ألمانية فقط من أصل 109 كانوا في حالة جاهزية إبان التفتيش، وكذلك كانت عشر مروحيات هجومية من أصل إحدى وثلاثين، وكانت كذلك ثلاث طائرات هليكوبتر فقط من طراز (سي كينج الـ 21)، وأربع من مروحياتها من طراز (سي لينكس الـ 22)، و 16 من طائراتها الهليكوبتر المخصصة للنقل الـ 83.

كشف تقرير المفتشين أمام البوندستاج عوارًا كبيرًا في قدرات الجيش الألماني غير الملائمة لأكبر اقتصاد أوروبي، وهذا العوار يعود بالأساس لغياب التطوير، فالجيش الألماني يمتلك ترسانة أسلحة فتاكة مقارنةً بغيره من الجيوش، لكنها تحتاج للتطوير وتلافي ما بها من نقص، والصيانة الدورية.

صحيح أن أغلب حلفاء الناتو الكبار خفضوا تدريجيًا من نفقاتهم العسكرية لكن ليس بالانخفاض القاسي الذي التزمت به ألمانيا مع انتهاء الحرب الباردة (فرنسا من 6 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي لـ 1980 لـ 3.5 بالمائة من الناتج الإجمالي لعام 2014، وكذلك الولايات المتحدة، وبريطانيا، غير أن بريطانيا يتكلف مشروعها النووي حسابًا ضخمًا نوعًا ما.

كيف تسعى ألمانيا الآن لبناء جيش قوي؟

في الساعات الأولى من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أحدث قائد الجيش البرّي الألماني ألفونس مايس هزّة عبر البلاد بإعلانه أن "الخيارات التي يمكننا عرضها على السياسيين لدعم حلف الناتو محدودة للغاية"، وقال إنَّ "الجيش الألماني عارٍ تقريباً".

الرسالة التي نشرها الجنرال الألماني ألفونس على شبكة التواصل الاجتماعي لينكد إن، في 24 شباط/فبراير، أحدثت هزّة عبر البلاد، واعتقد البعض أن حسابه قد تعرض للاختراق. أولاً، بسبب المقدمة غير المتوقعة من أحد كبار الضباط في الجيش الألماني التي تقول: "تستيقظ في الصباح وترى أن هناك حرباً في أوروبا".

وقال الجنرال الألماني: "في إحدى وأربعين عاماً من الخدمة في زمن السلم ، لم أكن لأتصور أبداً أنني سأخوض حرباً جديدة. ومع ذلك، فإن الجيش الذي أقوده، البوندسوير، جاف إلى حد ما. الخيارات التي يمكن أن نقدمها للساسة لدعم الحلف "الناتو" محدودة للغاية. كل هذا رأيناه قادماً، لكن لم نتمكن من إثبات قضيتنا أو تعلم دروس ضم شبه جزيرة القرم بواسطة روسيا، في عام 2014. أنا غاضب!

بعد ثلاث ساعات فقط من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا، اعترف رئيس أركان الجيش الألماني بهذا الاعتراف الرهيب. بعد ذلك بقليل، تابعت أنجريت كرامب-كارينباور ، آخر وزيرة دفاع في عهد أنجيلا ميركل (2019-2021)، خطها في تويتر: أنا غاضب منا لأننا فشلنا في مواجهة التاريخ. بعد جورجيا [في عام 2008] ثم شبه جزيرة القرم ودونباس [في عام 2014] ، لم نفعل شيئاً لردع بوتين. لقد نسينا درس المستشارين شميدت وكول أنه عليك دائماً التفاوض أولاً ، لكن يجب أن نكون أقوياء عسكرياً بما يكفي بحيث لا يكون عدم التفاوض خياراً للطرف الآخر.

وبعد 3 أيام من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تعهّد المستشار الألماني أولاف شولتس في خطابٍ، تخصيص ميزانيةٍ قدرها 100 مليار يورو للجيش، وزيادة الإنفاق السنوي على الدفاع ليشكّل أكثر من 2% من إجمالي الناتج الداخلي.

وأعلنت الحكومة الألمانية إنشاء صندوق خاص للاستثمارات في الجيش الألماني بقيمة 100 مليار يورو، ورفع ميزانية الدفاع السنوية إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحديث الجيش ومعداته بشكل كامل.

وأعلن المستشار الألماني أن ألمانيا ستستثمر مئة مليار يورو في المعدات العسكرية هذا العام وستخصص أكثر من 2 بالمائة من إجمالي ناتجها الداخلي للدفاع سنويا.

وأضاف "من الآن فصاعداً، العام تلو الآخر، سنستثمر أكثر من 2 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي في الدفاع".

واليوم، تعهد المستشار الألماني، أولاف شولتس، ببناء “أكبر جيش في أوروبا”.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!