تطغى مخاوف قطر من إمكانية تعطّل أشغال بناء منشآت نهائيات كأس العالم في كرة القدم 2022 على ما عداها من المخاوف، حتى أنّ البلد الذي ظفر قبل نحو عشر سنوات بامتياز تنظيم التظاهرة الرياضية الأكثر جماهيرية بطريقة حامت شكوك عميقة حول مشروعيتها، ما يزال يواصل خوض سباق إتمام البنية التحتية اللّازمة للتظاهرة، متخطّيا الظرف الاستثنائي الذي فرضه انتشار فايروس كورونا الذي عطّل السير العادي لمختلف مظاهر الحياة في أغلب بلدان العالم.
ولتنفيذ هذا الخيار الصعب لجأت قطر مجدّدا لـ“التضحية” بالحلقة الأضعف التي تحمّلت على مدار السنوات الماضية أعباء إقامة البنية التحتية الاستثنائية، وتكبّدت خسائر جسيمة في سبيل استكمالها بالسرعة المطلوبة، وهي العمّال الوافدون الذين أظهر تقرير صحافي أنّهم يواصلون العمل في ورشات البناء الضخمة رغم إعلان الدوحة قرارها منع جميع أشكال التجمّعات لتجنّب انتشار العدوى بالوباء القاتل.
وأوردت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها تحت عنوان “أشغال كأس العالم في قطر تسير كالمعتاد رغم انتشار كورونا”، أنّ العمّال المهاجرين الذين يبنون الملاعب والبنية التحتية للتظاهرة الرياضية ما يزالون يُرسَلون للعمل في مواقع البناء المزدحمة على الرغم من الأمر الحكومي الذي يحظر التجمّعات. ويُظهر ذلك مدى الأهمية التي توليها قطر الملاحقة بشبهات دعم الإرهاب وربط صلات واسعة بالتنظيمات المتشدّدة، لتنظيم كأس العالم ليكون عنوانا “لانفتاحها واعتدالها” وانخراطها في كل ما يدعم الحضارة الإنسانية الحديثة من مظاهر، ومن ضمنها الرياضة التي تحظى بإنفاق قطري سخيّ.
ويبدو أنّ استكمال الاستعدادات لكأس العالم تحوّل إلى هوس لدى قطر يدفعها لمقامرة خطرة قد تتحوّل إلى محرقة للعمّال الوافدين، بل قد تصبح سببا في انتشار فايروس كورونا في البلد بشكل تصعب السيطرة عليه.
وورد في تقرير الغارديان نقلا عن عمّال مشاركين في أشغال بناء المنشآت الرياضية أنّ تلك الأشغال تسير كالمعتاد وبوتيرة لا تختلف عن تلك التي كانت قبل انتشار الفايروس عبر بلدان العالم.
ويمكن، حسب التقرير ذاته، رؤية الحافلات المليئة بالعمّال متوجهة إلى مواطن العمل، بينما يقول هؤلاء إنّهم لا يخضعون سوى لفحوصات طبية محدودة.
ويمكن لقطر أن تستند في قرارها مواصلة العمل بورشات بناء منشآت كأس العالم لجدل يدور في بريطانيا بشأن إمكانية مواصلة أشغال البناء طالما كان من الممكن الحفاظ على مسافة أمان بين كل عامل وآخر لا تقلّ عن مترين، لكن واقع الحال أنّه من المستحيل تطبيق هذا الشرط في الحالة القطرية، حيث يعيش العمّال في معسكرات عمل مزدحمة ويتشاركون المبيت في غرف تؤوي كل منها ما بين ثمانية وعشرة أفراد، وحيث يتم نقلهم للعمل في حافلات مزدحمة تصل حمولة كلّ منها إلى 60 شخصا.
وتجعل تلك الظروف العمّال الوافدين ذوي الأجور المنخفضة معرّضين بشكل خاص للخطر، بالنظر إلى مدى تفاعلهم الوثيق مع الآخرين في مواقع العمل ومقرّات الإقامة.
ويقول العمّال إنّه لا خيار أمامهم سوى الانصياع لأصحاب العمل لأنّهم مضطرون لكسب المال وإرساله لعائلاتهم في بلدانهم الأصلية. ونقلت الصحيفة عن عامل بناء كيني يعمل يوميا لمدة 14 ساعة قوله إنّه قلق كثيرا بشأن الإصابة بفايروس كورونا، لكنه يحتاج إلى المال.
ويقول عامل نيبالي يشارك في بناء موقف للسيارات إنّه يتم قياس ضغط دمه قبل كل نوبة عمل، مشيرا إلى استخدامه كمامة اشتراها على نفقته الخاصّة بينما يكتفي زملاء له بتغطية أفواههم بقطعة قماش.
وكانت السلطات القطرية قد أعلنت في وقت سابق حظرا على جميع أشكال التجمّعات ومنعت الجولان في الحدائق العامة والشواطئ كما منعت حضور المناسبات الاجتماعية، وأغلقت القاعات الرياضية ودور السينما ومراكز التسوّق والبنوك، لكنّها لم تلتزم بتطبيق الحظر على ورشات البناء التابعة للقطاع الخاص، تاركة الباب مفتوحا أمام إمكانية مواصلة العمل بورشات كأس العالم رغم المحاذير والأخطار التي ينطوي عليها ذلك في الوقت الحالي.