دراسة نشرها مركز صنعاء تكشف تعرّض لجنة الخبراء لضغوط دولية وتؤكد ممارسة التجار للفساد في الوديعة السعودية

قبل 2 سنة | الأخبار | اقتصاد
مشاركة |

كشفت دراسة حديثة نشرها مركز صنعاء للدارسات الاستراتيجية أن بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضغطت على لجنة الخبراء للتراجع عن بعض ما ورد في تقريرها الاخير فيما يخص الفساد المتعلق بالوديعة السعودية.

واعتبر المركز الضغط على فريق الخبراء للتراجع عن استنتاجاتها يشجّع على غياب المساءلة، مؤكدا بأن الفساد والتربح واقتصاد الحرب يمثلون تهديدًا للأمن والسلام والاستقرار ويساهمون بشكل مباشر في اطالة أمد الصراع.

الى ذلك كشف مصدر موثوق أن مجموعة هائل سعيد أنعم خصصت موازنة مفتوحة لتمويل لوبي دولي للضغط لاعادة مراجعة تقرير فريق لجنة الخبراء الاخير الذي كشف عن استحواذهم على حوالي نصف الوديعة السعودية البالغة 2 مليار دولار.

وأثمر الضغط الذي قامت به المجموعة عن تراجع لجنة الخبراء عن بعض ما ورد في التقرير من معلومات متعلقة بالاختلاس الذي مارسه البنك المركزي والحكومة اليمنية ومجموعة هائل سعيد أنعم، حيث تمت الاطاحة بالخبير المالي للجنة الذي أجبر على تقديم استقالته وتم استخدامه ككبش فداء لاعلان التراجع عن بعض المعلومات.

وأكد تقرير لجنة الخبراء  السنوي أن حوالي ربع الوديعة السعودية -423 مليون دولار- اُختلست عبر التلاعب بآلية سعر الصرف، لكن الفريق أعلن في رسالة مؤرخة في  26 مارس تراجعه عن هذه المعلومات بناءً على تلقيه “معلومات جديدة”، ولكن دون الإفصاح عن ماهيتها أو كيف حصل عليها، وأن المراجعة الأولية تظهر عدم وجود أدلة على الفساد أو غسل الأموال، بحسب تقرير لوكالة رويترز اطّلع على نسخة من الرسالة. 

وبحسب الدراسة التي أعدها خالد منصّر مدير عام المراجعة الداخلية السابق في البنك المركزي اليمني ونشرها مركز صنعاء فإن الصورة الأكبر في التقرير عن ممارسات الفساد التي ترتكبها الحكومة اليمنية والبنك المركزي والقطاع الخاص هي في الواقع دقيقة. وبدلًا من إصدار التصحيحات اللازمة، ارتكبت اللجنة خطأ آخر بتراجعها عن هذه الاتهامات، إذ أن الأطراف التي وُجهت هذه الاتهامات ضدها تدّعي الآن أنها بُرئت، وبالتالي ضاعت قصة الفساد الحقيقية.

ونصح المركز بعدم النظر إلى مصلحة اليمن واليمنيين من الزاوية الضيقة لمصالح شركات ورجال أعمال معينين أو حتى حكومة معينة، معتبرا إعطاء الأولوية للأثرياء والأطراف الذين يتمتعون بامتيازات على حساب المصلحة العامة للمجتمع سابقة خطيرة. وفي حقيقة الأمر، فإن غياب المؤسسات الشمولية وسيطرة مجموعة محدودة من نخب العائلات اليمنية على الثروة عاملان رئيسيان وراء عدم المساواة الاقتصادية وسياسات الاحتكار اللتان تساهمان في هشاشة الدولة.

وفند مركز صنعاء الانتقادات التي وجهت لتقرير اللجنة، مثل التي وجهها رأفت الأكحلي بأن الأسعار التفضيلية التي استخدمها البنك المركزي لتغطية الواردات من السلع الأساسية قانونية ويدحضون استشهاد التقرير بالمواد 2 و23 و47 من قانون البنك المركزي رقم 14 لسنة 2000، ورد المركز بأن هذا لكن هذا الادعاء غير صحيح. في الواقع، فإن ما ورد في المادة 2 من قانون البنك المركزي هي تعاريف عامة، ليس أكثر، ولا تحتوي على نصوص حول استخدام أسعار الصرف التفضيلية. كما أن المواد 23 و47 في القانون تتضمن أحكامًا عن إقرار نظام سعر صرف العملة الأجنبية (ثابت، معوّم، مدار، إلخ …) بالتشاور مع الحكومة وليس عن تحديد سعر الصرف.

وأورد المركز نصوص المادتين 23 و 47، مؤكدا بأن نظام سعر الصرف المستخدم في الجمهورية اليمنية منذ تبنّي برنامج الإصلاح المالي والإداري عام 1996 هو معوّم وليس ثابت حيث يُحدد سعر الصرف وفق آلية السوق/ العرض والطلب. كما أن البنك المركزي اليمني في عدن عزز ذلك بأن أصدر قرارًا بتعويم الريال في أغسطس/آب 2017 ولم يتخذ أي قرار لاحق يلغي ذلك. كما أن المادة 47 من قانون البنك المركزي تنص في آخرها على أن أسعار صرف الريال مقابل العملات الأخرى تُحدد في السوق كقيمة خارجية للريال. كما ينص قرار الحكومة رقم 75 لسنة 2018 في الفقرة 2 على توفير العملة الأجنبية لتجار المواد الأساسية بسعر السوق. 

واستنادا الى ذلك كان هناك ممارسات مخالفة لقرارات البنك المركزي بالتعويم ولقرار الحكومة رقم 75، والتي تهدف إلى تنظيم عملية استيراد السلع الأساسية والمشتقات النفطية، ما سمح باستخدام الأموال العامة لصالح تجار معدودين.

وردا على القول بأن الأسعار التفضيلية كان لها أثر على أسعار السلع الأساسية قالت الدراسة التي اعدها المركز: "وعلى الرغم أن أسعار السلع شهدت استقرارًا نسبيًّا -للأسعار المرتفعة بالأساس- إلا أنها لم تشهد انخفاضًا يوازي الفارق بين سعر الصرف المدعوم من الوديعة السعودية وسعر السوق".

وأشار المركز الى أن حجم السلع الأساسية المستوردة خلال هذه الفترة والمغطاة بالوديعة السعودية يتراوح ما بين 40% إلى 50% من إجمالي السلع المستوردة، أي أن هناك ما نسبته 50% إلى 60% من السلع المستوردة تم تغطيتها بسعر صرف السوق، أي بأسعار غير تفضيلية. ظلت أسعار السلع في السوق واحدة سواء التي استوردها التجار بأسعار مدعومة من الوديعة السعودية أو بأسعار صرف السوق. 

واستنتج المركز بناء على ذلك أن المستفيد من الأسعار التفضيلية هم التجار وليس المستهلكين اليمنيين الذين يواجهون الجوع وسوء التغذية. لافتا الى أن البنك المركزي اليمني في عدن سجل في نظامه المحاسبي ربحًا وهميًّا بعشرات المليارات من الريال اليمني نتيجة الفرق بين سعر الصرف التفضيلي وسعر تقييم الدولار، رغم بيعه الدولار لرجال الأعمال بسعر أقل من سعر السوق.

وكشف مركز صنعاء أن الكثير من السلع الأساسية التي تستوردها مجموعة هائل سعيد أنعم (القمح والسكر والزيت والحليب) لا يُعاد بيعها في السوق بالرغم من أن هذا هو الهدف من تأمين البنك المركزي في عدن لأسعار الصرف التفضيلية لاستيراد هذه السلع. وفي الواقع فإن جزءًا كبيرًا من هذه الواردات استُخدمت كمواد أولية لتصنيع المنتجات الاستهلاكية. 

واورد المركز على سبيل المثال -وبحسب تقرير لجنة الخبراء- تلقّت الشركة اليمنية لصناعة السمن والصابون، المملوكة لمجموعة هائل سعيد أنعم، أكثر من 52 مليون دولار لتمويل استيراد سلع أساسية من الوديعة السعودية. هذه النقطة تدعم استنتاجات تقرير لجنة الخبراء عن تحويل أموال من الوديعة السعودية لخدمة أهداف أخرى غير تلك المبتغاة أصلًا وقانونًا من الوديعة.

وتسيطر المجموعة -أكبر مستورد للمواد الغذائية في اليمن حيث تبلغ نسبتها في السوق من واردات القمح 50%- على عدد كبير من الشركات والكيانات في القطاعات المصرفية والتأمين والصناعة.

واوضح التقرير أن مجموعة هائل سعيد أنعم وبعض كبار مستوردي المواد الأساسية  عقدوا صفقات مع برنامج الغذاء العالمي وغيره من المنظمات الدولية لتأمين سلال غذائية، مشيرا الى أن هذه المنظمات دفعت للمستوردين بالدولار ولكن الأخيرين تلقّوا المال لدعم استيرادها من الوديعة السعودية ما يثبت حجم الفساد والتربح غير المشروع من وراء هذه العمليات. 

وبحسب الدراسة التي نشرها مركز صنعاء فقد قامت مجموعة هائل سعيد أنعم بتصدير نخالة القمح وبيعه بالعملة الأجنبية وهذا يجب أن يُستنزل من المبالغ المغطاة بالوديعة السعودية، لكن ذلك لم يحصل.

وأكدت الدراسة أن التجار استفادوا أيضًا من فارق أسعار الصرف بين الأوراق النقدية المطبوعة حديثًا والقديمة والذي لوحظ بوضوح بداية العام 2020؛ بعد أن حظرت سلطات الحوثيين استخدام الأوراق النقدية الجديدة التي طبعها البنك المركزي بعدن في مناطق سيطرتها. ازدادت قيمة الأوراق النقدية القديمة المتداولة في السوق مقارنة بالأوراق النقدية الجديدة، ما دفع بالمستوردين، ومن بينهم مجموعة هائل سعيد أنعم، إلى رفع سعر المواد الغذائية في مناطق سيطرة الحكومة حيث يتم التداول بالأوراق النقدية المطبوعة حديثًا. 

وأكدت أنه كان لمجموعة هائل سعيد أنعم حصة الأسد من هذه المضاربة بالعملة كونها واسعة الانتشار وقادرة على التوريد النقدي بالريال اليمني لقيمة اعتماداتها من فرع بنك التضامن في عدن بحسب شروط البنك المركزي هناك.

وقالت الدراسة لمنتقدي فريق الخبراء: "كان الأولى بهم أن يطالبوا الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في جميع المعاملات من الوديعة السعودية وتنظر في أسباب الفرق بين سعر صرف السوق وسعر الصرف المغطى من الوديعة السعودية، وتتأكد من تكافؤ الفرص والمعاملة المتساوية لكل تجار المواد الأساسية، وتتحقق من استكمال جميع المستندات"، مضيفة: "ويجب نشر نتائج تحقيق كهذا للرأي العام ومحاسبة المتورطين (قيادات البنك السابقة والحالية) وإقالتهم". واستطردت: "كما يجب على البنك المركزي نشر بياناته المالية والتقارير الإحصائية ووضع إجراءات وشروط عادلة تلائم مختلف مستوردي السلع الأساسية".

واوردت الدراسة التي نشرها مركز صنعاء عدد من الأسئلة الجوهرية التي لا بد من طرحها هي: ما جدوى الأسعار التفضيلية خاصة في ظل شح الموارد بالعملة الأجنبية وفشل سياسة الدعم من الأساس؟ كيف أُضيفت سلع مثل أعلاف الدواجن إلى قائمة السلع المغطاة بالوديعة السعودية؟  لماذا أُبقي على مادة السكر ضمن السلع الأساسية؟ ومن استفاد من حجم الفوارق الكبيرة بين سعر الصرف في السوق وسعر الصرف التفضيلي المغطى بالوديعة السعودية وفوارق أسعار الصرف بين الأوراق النقدية الجديدة والقديمة؟ ولماذا لم تنعكس هذه الفوارق كما يجب على أسعار السلع الأساسية؟

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!